مفهوم الحرية في الإسلام / د . هاشم غرايبة

مفهوم الحرية في الإسلام
الحرية أساسا هي قدرة الإنسان على فعل الشيء أوتركه بإرادته الذاتية ، وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله .
هنالك ارتباط عضوي بين الحرية والعدالة من حيث كونهما متطلب إنساني لازم ، وارتباط وجودي من حيث أن تحقق العدالة شرط لممارسة الحرية ، لكن الإختلاف بينهما في التطبيق ، فالعدالة تكون على درجات على منحنى متصاعد ، فكلما ارتقت تقترب من العدالة المطلقة التي هي إلهية ، أما العدالة النسبية فهي الإنسانية .
أما الحرية فهي على شكل منحنى دائري ، تكون في حالتها المثالية عندما تكون حريات الجميع متساوية ، لكن كلما زادت حرية طرف انتقص ذلك من الطرف الآخر .
المبدأ في المفهوم الإنساني يرتكز على أن حرية الفرد هي المقدسة وحرية المجتمع مستمدة من محصلة الحريات الفردية ، وعلى ذلك قام مبدأ الليبرالية ، فهو يرتكز على إتاحة الحرية الكاملة للفرد ، واعتبر ذلك الحافز الرئيس للإبداع والتميز ، وبما أن الهدف الأساس هو الرفاه الإقتصادي فإن كل التشريعات منطلقها إزالة أية عوائق أو قيود أمام إكتساب المال للفرد باعتبار أن ذلك ينعكس ازدهار السوق وبذلك رفاه المجتمع ككل .
في المفهوم الإسلامي هنالك إختلاف أساسي ، فالتوازن قائم بين حرية الفرد وحرية الجماعة ، وبمعايير دقيقة حتى لا تطغى إحداهما على الأخرى ، فحرية الفرد متاحة الى الدرجة التي لا تهدد سلامة النظام المجتمعي ، وأن لا تنتقص من حرية الآخرين المادية والمعنوية .
لتفسير الأمر نورد مثالين تطبيقيين : الحرية مكفولة للفرد باختيار لباسه الذي يشاء وارتدائه في بيته ، لكن اللباس الذي يؤذي الإحتشام أو يؤدي إلى الإثارة الجنسية مرفوض ارتداؤه في أماكن عامة .
والمثل الثاني : للمرء فردا أو ضمن مجموعة الحرية في الإستثمار بالمال شريطة أن لا يكون صاحب المال محصنا من الخسارة ومضمون الربح ( القروض الربوية ) ، كما يحق له الإتجار بالبضائع شريطة عدم الإحتكار أو الإتلاف بقصد رفع الأسعار ، بينما في النظام الليبرالي فإن كل ذلك مباح .
إذا عدنا إلى مفهوم الحرية الأساسي نجده يضم شقين :
أ – الحريات الشخصية المادية : وتشمل :
1 – حرية التملك : أي حيازة الإنسان للشيء و امتلاكه له ، و قدرته على التصرف فيه بيعا وشراء وهبة ، و حريته باختيار طريقة انتفاعه به ، وهذا الأمر مكفول في التشريعات البشرية بضوابط قانونية نسبية ، أما في الإسلام فالضوابط شرعية محددة .
2 – حرية اختيار المأوى والسكن : وهذا الأمر مكفول في التشريعين ، لكن الإسلام يتميز عن البشري في أنه لا يقيم وزنا للحدود السياسية ، فهو يعتبر الأرض ملكا للبشر جميعا ، ولا يجيز لأمة الإستئثار ببقعة وحرمان الغير من الإقامة فيها ، كما أنه يعتبر الناس جميعا شركاء في المصادر الطبيعية الأساسية ” الناس شركاء في ثلاث الكلأ والماء والنار ” .
3 – حرية الإنتقال : التشريع البشري يحدد هذا الأمر بمصلحة الدولة ، أما الإسلام فيبيحه على إطلاقه وخاصة في حالتي التضييق على الحرية أو فقدان الأمان ووسائل العيش ” .. أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ” .
4 – حرية العمل : وهذا الحق مكفول في التشريعات البشرية مثلما هو في الإسلام ، لكن الإسلام يتفوق في عدم الإكتفاء بإتاحة الفرصة للعمل بل بالحض عليه ، كما في حديث الرجل الذي جاء يطلب صدقة فأعطاه النبي ( ص ) فأسا وحبلا ووجهه أن يذهب ليحتطب بدل أن يسأل الناس ، كما كرّم العامل بدليل أن شخصا سلّم على النبي ( ص ) فوجد يده خشنة من أثر العمل فأمسك بها وقبّلها قائلا إن الله يحب هذه اليد .
5 – حرية التملك : التشريعات البشرية تتشابك فيها مفهوم الملكية الفردية والعامة ، أما في الإسلام فهي واضحة : الملكية الفردية مصانة وتتم إما بالشراء أو بالإنتقال بالميراث أو الهبه ، وما خلا ذلك فهو ملك عام للمجتمع تمثله الدولة وتتمثل بالموارد الطبيعية ، وأما الأرض الميتة ( غير المستغلة ) فتفوضها الدولة لمن يمكنه إحياءها واستثمارها .
ب – الحريات العامة : التشريعات البشرية تزعم أنها تحترمها لكنها تظل نسبية حسب نظام الحكم ، أما في الإسلام فسوف نفصلها لأنه متهم افتراء بتجاوزها :
1 – حرية المعتقد وحق الإنسان بممارسة شعائره الدينية مكفول بدلالة : ” لا إكراه في الدين ” ، و ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” ، كما أنه في التطبيق تاريخيا لم يسجل حالة اضطهاد ديني واحدة أو منع ممارسة الشعائر .
2 – حرية التعبير عن الرأي : لكل الناس الحق في ابداء رأيهم في تصرفات الحاكم وموظفي الإدارة ، والقصص كثيرة ومعروفة في ذلك ، لكن التشريع الإلهي ذاته ليس مطروحا للنقاش ، لأنه مطلق الحكمة والعدالة ، ويختلف عن التشريعات البشرية التي تُعدَّلُ وتُغيَّرُ بناء على توافقات ومصالح مرحلية .
3 – الحرية السياسية : لم يحدد التشريع الإسلامي نظاما سياسيا محددا ، بل ترك ذلك لمتغيرات الظرف والزمان .
4 – حرية التعلم مكفولة ، وهي ليست حقا للفرد فحسب ، بل أول واجب شرعي ” إقرأ باسم ربك الذي خلق ”
الخلاصة : إن الإسلام سعى إلى تحرير الإنسان من عبوديته لغيره ، بحصرها للخالق عز وجل ، وبذلك قطع الطريق على أحد من البشر أن يسلبه حرياته الأساسية التي وهبه إياها الخالق … وهذا هو السبيل الأمثل لحفظها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى