الزيُّ الموحَّد / د . هاشم غرايبة

الزيُّ الموحَّد
تنفرد أمتنا عن سائر خلق الله وباقي الشعوب والأمم ، بأنها تولي مسألة اللباس اهتماما عظيما ، يكاد يفوق الإهتمام بجوهر الإنسان ، ليس للأمر علاقة بالدين كما يتوهم كثيرون ، لكنه عائد الى الطبيعة العربية الضاربة جذورها العميقة في الصحاري والقفار ، وما استوجبه ذلك من الترابط القبلي كون القبيلة المتنقلة بحثا عن قوتها هي البديل للدولة أو المجتمعات الحضرية الزراعية الثابتة مثل شعوب بلاد النهرين والنيل المستقرة .
كانت زعامة القبيلة تنحصر خياراتها بين قلة من عريقي النسب من الرجال ، لذلك كانت المقومات لنيل ذلك الشرف تبدأ من القوةالجسدية فالغنى فالمظاهر الأخلاقية ( الكرم والشهامة والشجاعة ) والخارجية ( اللباس والهيئة والهيبة ) .
ولما كانت المقومات الأساسية لا تكتشف إلا بالتجارب فلم يبق لإظهار الهيبة والغنى غير اللباس المميز ، من هنا ظل اللباس غير ذي أهمية للعامة الغالبة .
في حين أن الإهتمام بلباس المرأة كان قليلا ، فسيطرة الذكر كانت قاهرة ، كون المجتمع يعتمد على المحاربين ، وإذا ما أضفنا الى ذلك أن عادة الغزو كانت بهدف الإستيلاء على أملاك المهزوم ومن بينها النساء كسبايا والأطفال كعبيد ، فكانت حماية النساء من الغزاة هما ثقيلا على الرجال ، لذلك فلم يكن معتادا التزين بالحلي والثياب لنساء القبائل الضعيفة حتى لا تجلب شهية الطامعين .
هذه القيم لم تنقرض تماما مع دخول العرب في الدين الإسلامي ، وظلت الطبيعة التقليدية للرجل تقاوم التغييرات الراديكالية في تحقيق الكثير من حقوق المرأة ، وما زالت – إلى اليوم – جذور السيطرة الذكورية تقاوم مستجدات الزمن والحضارة .
انطلاقا من القيم التي تجذرت في النفسية العربية لعشرات القرون ، وهي بالمناسبة مشتركة بين كل الشعوب الشرقية ، ظلت بعض رواسبها التي تمتهن كرامة المرأة واستقلاليتها وتخلصها من التبعية للرجل حاجزا أمام نيلها كافة حقوقها الإنسانية ، برغم أن قيم الدين تدعو لذلك .
لكن الرجل استطاع أن يستغل بعض المفاهيم الدينية التي تدعو الى العفة والإحتشام وعدم استغلال المرأة باعتبارها جسدا مخصصا لمتعة الرجل ( كما هي قيم الشعوب الأوروبية قبل المسيحية ) ، فبالغ في التضييق على مظهر المرأة بهدف منع رؤية الرجال لها بالمطلق ، فقيّد كثيرا خروجها ، لدرجة أن بعضهم قال إن المراة لا تخرج من بيتها إلا مرتين الأولى لبيت زوجها والثانية إلى القبر ، وألصقوا هذه المقولة بالدين حتى يعطوها قداسة .
ما زال كثيرون يحاولون لي الأحكام الشرعية لتوافق رغباتهم ، وتوصل البعض إلى ابتكار زي موحد للرجل ، وآخر للمرأة قائلا إنها الملابس الشرعية الواجب ارتداؤها ، وبغيرها يكون المرء خارجا من الدين .
زي الرجل ( الشرعي ) هو دشداشة بيضاء رقيقة تقصر عن الكعب بمقدار نصف ذراع ، متجاهلا أن هنالك مسلمون خارج الجزيرة العربية ، وربما يكون طبيعة مناخ بلادهم شديد البرودة وليست مثل مكة التي لا تنقص فيها درجة الحرارة عن 35 مْ !
أما زي المرأة فهو طبقات من الأردية السوداء تغطيها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها !
السؤال : هل ذلك أمر شرعي أم أنه مرتبط بمفهوم اجتماعي .
كثيرا ما يطرح السؤال بشكل مختلف : هل هنالك زي شرعي محدد ؟ ، الإجابة قطعا لا ، بل هنالك مواصفات شرعية للباس اتفق عليها الفقهاء جميعا وهي : أي لباس وأي لون شريطة أن لا يشف ولا يصف ، وهذا يشمل الجنسين مع بعض التساهلات في لباس الرجل في أن يكون ساترا تماما لما بين السرة والركبة .
إن الإنسان ليكون في أشد حالات التأدب حينما يكون قائما للصلاة ، لذلك فإن ما تجوز به الصلاة يجوز به الخروج .
أما الذين يصرون على تغطية وجه المرأة وكفيها ، فهم سيرتبكون حينما يُسألون هل يجوز للمرأة الصلاة بتلك الوضعية ؟ ، لأن الفقهاء أجمعوا على عدم جواز ذلك ، فهل لو كان ذلك من الدين .. أليس من الأولى أن تكون المرأة محتشمة أمام الله أكثر من الناس ؟ .
الحقيقة أن عقد البعض النفسية والمتمثلة بعدم الثقة في المرأة ، وسببها ضعف ثقته بنفسه أصلا ، لدرجة توهمه أن زوجته سوف تفتتن بأول رجل تراه وتتركه إليه ، هؤلاء هم في العادة مرضى ولا ينفع اقناعهم بأن طبيعة المرأة مختلفة عن الرجل الذي قد ينظر الى امرأة أخرى ، لكن المرأة لا يفتنها ظاهر الرجل بل قدراته ومواصفاته ، وهذه لا تتأتى من نظرة عجلى .
حجة هؤلاء الذين يتذرعون بالإلتزام الشرعي ، مع أننا بينّا أن الإنسان هو الذي ابتدع هذه القيود وليس الشارع الحكيم ، تماما مثلما يطلب الرهبنة من البشر ، سيقولون أنك تطالب بالتعري والإنحلال ، وكأن المرأة مُخيّرة بين حالتين فقط ، إما الخروج عارية أو الحبس في البيت وعدم الخروج إلا إلى ثلاجة المستشفى .
ما خلق الله الإنسان لهذا ولا لذاك بل ليحيا بكرامة كرمه الله بها ، ولا أظن أن الأفغان الذين ابتدعوا هذا الزي الموحد بأقرب منا الى الدين ولا أكثر معرفة بمقاصد الشريعة ، ولا أعتقد أن أمّهاتِنا وجدّاتِنا اللواتي لم يحضرن زمن اكتشافه وانتشاره ، لا أظن أنهن كن فاسقات ، وليست نساء هذه الأيام بأكثر منهن حياء ولا دينا .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى