مُلحِدونَ مُؤمنونْ

مُلحِدونَ مُؤمنونْ
د. جودت سرسك

ومَن مِنّا لا يعرفُ كارل ماركس الذي اتّحدتْ روحُه بالمسيح فحلّقت على مقربةٍ من النجوم يظللها ملكوت الرحمة والطمأنينة ثمّ اتحدتْ روحُه بالشيطان فهوَتْ إلى الجحيم فاشتمّ رائحة شواط لحمِه فيها وسمعَ صراخَ الآلامِ في جهنّم ،هكذا يقول في شعره وكتاباته.
وتحلّق فكرة الالحاد لتغرّد في تويتر التوحيد وأرض الإسلام الخالص الذي أخرج قريشاً من الظلمات إلى النور ونشرتْ المحبة والإيمان في الجزيرة العربية والشام ومصر واليمن وبلاد الروم وفارس،لتفرد تويتر مساحة لجمعية الملحدين السعوديين ولتُظهر صورةً من ورائها مشهد الحجر الأسود وكعبة إبراهيم نبيّ التوحيد مكتوب عليها( براود تو بي أثليست)،فخور أن أكون ملحدا في أرض التوحيد ومهد النبيّ محمّد عليه السلام.
كيف لقلبٍ ينبض ستين مرّة في الدقيقة على إيقاع الفطرة أنْ ينكرَ ربّه ويقطع شريان الدم ووريد الحياة، وكيف لأبٍ أو أمٍ رسموا خطوط وجوههم إيمانا وتجاعيد راحاتهم تسابيح ، أن يقووا على سماع كلمةِ كافرٍ في بيتهم أو يجاهرهم من رضع الفطرة بإنكار الخالق.
لقد بدأتْ ظاهرةُ الإلحادِ بالانتشار في بعضِ الأوساط الإسلامية و البيوتِ المحافظة التي امتلأت جدرانُها بآيات وسور الفلق والإخلاص والكرسي وامتلأتْ غرفُها وساحاتها بترانيم القرآن فجراً وصوت لا إله إلا الله مع نحنحة الجدّ والجدّة تسيل من أكفهم قطرات ماء الوضوء ويعلو وجوههم نور الله وأذكار الصباح.
إنّ البعض من الملحدين يسعي للبحث عن ذاته في بيئة تسعى لتهميشه وعدم احتوائه في ظل الانغماس بالأشغال والهموم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والاحباط الشبابي والمدارس الفكرية المتخمة بمعوناتٍ أوروبية نهجتْ نهج التشكيك وإسقاط المقدّس عن الصحابة والعلماء والصحيحين فكان نتاج ترويج فكرهم على منابر أوروبا التشكيك بالقرآن وعبثية اللجوء إلى الله وأنّ الاستعانة والتوسّل بحذوة الفرس كالاستعانة والتوسّل بالله على حدٍّ سواء ،فلو سألت الله مرّاتٍ لحاجاتك ورغباتك لتساوتْ النتيجة بمرّات سؤالك لحذوة الفرس أو مَنْ في القبور.
كيف لفؤادٍ عرفَك أو لمْ يعرفْك أنْ ينكرَك أو يقوى لسانُه على البوح بمعاداة اللهِ في قلبه،هو اللهُ الواحد الأحد الفرد الصمد لا إلاه إلّا هوَ الحيُّ القيّوم ،صاحب الأسماء التسعة والتسعين ،وأنّ من أحصاها دخل الجنّة ،وأنّ منْ ألْحَد بها وأعرض عنها فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى،فيسأله العبدُ، ياربّ لم حشرتني أعمىً وقد كنت بصيراً؟ فيجيب الله بلسانه الذي ليس كمثله لسان ولا بيان ,أنك كنتَ تبصِر ذاتك ولا تبصِرُني وكنت تُقِرّ رغباتك وتلحِدُ بآياتي وشعائري فنسيتني فكذلك اليوم تُنسى.
حينَ كنتُ صغيراً سمعتُ ذات مرّة أنّ فلانا ينكِر اللهَ ،ولمّا قابلتُه أنكرتُه ووقع كسرٌ في قلبي وقد بدتْ عليه علاماتُ الوسامة وطلاقة الكلام، وإنْ تسمعْ لهم يعجبك قولُهم ،فصافحني وصافحتُه وحاول أنْ ينقل لي رسالته بكلّ ودٍ،وما زلتُ أشعرُ بأنّ يدي قد خانتْ فطرتي وأشعر بألمِ قلّة مؤونتي وجفاف بيان لساني حينها فلم أردَّه عن إلحادِه ،فلمّا كبرتُ وصار ذا منصبٍ عقدي معادٍ لله، سمعتُ أنّه قد حمدَ الله حين وفاةِ أمّه إذ حانَ أجلُها على سجادة الصلاة.
مقامك الأعلى ومقامي الأدني و ليس كمثلك شيءٌ ونحن من تراب وإلى تراب ،عطاؤك لنا لا حصر له ونعمُك تغمُرنا وإنْ قلّت، وقليلك كثير.تكدَح نفوسُنا لتصل إلى مقامك العالي فنلقاك لترضى عنّا ولا نور سوى نورك ولا طريق غير طريقك الذي رسمتَ لنا بلا ضلال ولاشقاء.
اللهمّ أرِنا الحقّ حقا واجعل لنا من نورك ،وإنْ لم تجعل لنا نورا فليس لنا من نور،أعنّا على أنْ نعرفك فتستجابَ دعوتُنا تصديقا لقولك الشفوق الرؤوم ادعوني أستجب لكم. أعنّا على أنْ نعرفك فلا نضلّ، وألهمْ لساننا الاستقامة، فتسْمَعَ صدقَ نوايانا وحرارة قلوبنا.
هل نحتوي من ضلّ طريقَك فألحدْ، ونحاورُه بالتي هي أحسن فما هم إلا ضحايا ضعف الخطاب الروحاني والتفكك الاجتماعي ،فنرأفَ بحالهم لعلّك تعيدهم لحظيرة الإيمان ،ولا نحاكمهم بالرِدة ونستتيبهم أبدا ،وهل ننظر لأبنائنا ونحتوي قلوبهم وعقولهم ونستمع لأفكارهم ولا نتركهم عرضة للتغريب وموجات الالحاد .
قستْ قلوبُنا لأننا ما عرفناك ولو عرفناك حقّ المعرفة ووفّينا بعهدنا لوفّيت بعهدك لنا ،وما عرفنا الضلالة والالحادَ عندَ أولِ خيبة رزق أو موت ولدٍ أو فقدان وظيفة ماديّة.
يتملكنا الإلحاد بالخروج عن نهجك وتعاليمك التي نزل بها الوحي وبانشغالنا عن صلاتك المفروضة وغشنا لأهلنا وأوطاننا ،حتى نضلّ عنك بالكلية فننجرّ وراء غرائزنا وشهواتنا وننساق خلف طِيبٍ غير طيبك ورداءٍ غير ردائك فنضلّ ونعرى.
اللهم ألهمنا قلبا صادقا ولغة تليق بمقامك فتسمعنا ولا تجعلنا نتيه فلا تقبلُ لنا دعاءا، وبشِّرنا بنورك في قلوبنا ومعرفة ويقينا بالغيب عندك ،اللهم احمِ مستقبلنا وحاضرنا من تيه الحرمان والحجاب عن بابك فحبك كما يغرد المتصوفون لا يطبع على ورق فيمحى ولا يرسم على حجر فينكسر،إنّما يُوصَم في القلب، وأنت القائلُ :يحبّهم ويحبّونه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى