حكاية سدين / مروان البطاينة

حكاية سدين ……….
رحيل …….

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما يرسل فلان وفلانة الى لندن لإزالة الكرش وتصغير الانف وتكبير الشفاه
ونفخ الاجزاء .. فهذا من تدبير الله و قضائه وقدره …
..وعندما ينفق على فلان الذي يمتلك الملايين اكثر من مليوني دينار من اموال الغلابا
في رحلة استجمام وعلاج .. فهي ارادة الله …
وعندما تقتل طفولة سدين لأجل دراهم معدودة
و لعدم شمولها بتامين وعدم حصولها على اعفاء فهذا ايضا قضاء الله وقدره …..

رحلت سدين ورحل معها وجعها وطفولتها وبضع امنيات وحلم ..
رحلت بعفويتها وسذاجتها وتركت لمن كانوا سبب رحيلها ارثا ثقيلا ..ووجعا مقيما ..
من ندم وإثم وعذاب ضمير ..اين كان الضمير عندما اسبلت سدين عينيها الجميلتين الصغيرتين المتشعشعتين ..
يا لهف قلبي عليك يا صغيرتي اذ نقدمك نحو المحراب لتنالي فضل البشر الاخير ..
صلاة لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تشفع
فقد كانت سدين بزعمي هي الشفيع لمن شيع ولمن صلى ولمن حضر..
………..
تقول ام سدين ضاعت توسلاتي وتبخرت دمعاتي بين جدران صماء في مستشفى غاب عنه البصر وعمي عن عذابات البشر ..قلت لهم ..طفلتي طفلتي ..ويحكم ادركوها فإنها تجود بالروح ..واظنها لا تساكننا الارض الليلة …
كانت قلوبهم باردة كبرودة كوانين ..وأرواحهم متبلدة بلادة جليد اذار …
لم يرف لهم جفن ولم تستثر فيهم نخوة واو حمية …او حتى بقايا آدمية ..
تحشرج صوتي وانا اصرخ دون ان اسمع نفسي ..
ما من مجيب …
لم يكن لدينا المال الكافي ..ولم نتمكن من الحصول على الاعفاء الوافي …
كانت مشكلتهم مادية ..وكانت مشكلتنا روحانية .. وشتان شتان …

مقالات ذات صلة

كنت اسال نفسي كيف لمهنة مقدسة جوهرها الرحمة ..ويغلفها الحب وتلفها الشفقة
ان تتحول بين غمضة عين والتفاتتها الى تجارة او جزارة او قل ماشئت
وأسبل ما شئت من وصوف ومن مهن وصنائع ..
يا صاحب الطب .. يا خليفة ابقراط …
كيف يطيب لك نوم وتقر لك عين ويهنأ لك مضجع
يا من تدعي الانسانية ..ايها النطاسي الرحيم ..
وقد تركت ملاكا صغيرا يرحل مبكرا ..وقد اهملت وردة ندية لتذبل ..
كيف تلاعب اطفالك …
وبأي حديث تحدثهم …
هل ستروي لهم كيف ماتت سدين لأنها فقيرة
لأنها صغيرة …لأنها لم تكن مسنودة … لأنها لا واسطة لها ولم تكن محسوبة ..
وكيف وكيف …
حين سجي الجسد النحيل البارد في المحراب ..
الجسد المتعب …من السعي بين المستشفيات واستمطار الرحمات ..واستجداء الغوث والمكرمات ..
بكى كل من في المسجد
بكوا جميعا ..لكن متأخرين …
بكوا اجمعين..وهيهات ..وهل عسى يعيد البكاء سدين …
رسول الرحمة قال …ماذا قال … لم اعد ادري …
بزعمي انه قال :
لا يجوعن احد حوله مسلمون …
ولم يقل لا يموتن احد حوله مؤمنون …
في هذا الحمى …ايعقل هذا الحيف ..ايقبل هذا الظلم …
وفي نهاية الامر ..تزهق الارواح ..وتكلم االقلوب ويخيم الحزن ..
ويأتي الجواب …نعتذر. …
هذا قضاء الله وقدره .
هذه قصة سدين …….
تروي الام كيف تسبب الاهمال وغياب الضمير في اغتيال سدين ..وكيف و في خمسة ايام فقط.. دخل ذلك الملاك الطاهر مركز صحي كفريوبا ليزف الى مقبرة البلدة من المستشفى المتخصص….
تشكو وجع رأسها، فتصطحبها امها الى مركز صحي كفر يوبا ، لتحول الى المستشفى التعليمي ،ثم ليتقرر لها اجراء صورة طبقية. بعد ان استعصى على الاطباء معرفة السبب في وجعها
ولان سدين لا تامين صحي لها اضطروالدها الموظف البسيط الى اجراء الصورة الطبقية لطفلته على حسابه الخاص وبكلفة 50 دينارا، في مستشفى اخر.
وبعد النتيجة قرر الاطباء بان الطفلة تعاني من اتساع حجرات الدماغ ، وانها بحاجة لتدخل جراحي من قبل طبيب اعصاب، ويجب تحويلها الى المستشفى المتخصص لعدم توافر الامكانية في المستشفى التعليمي ..ولكن مع عدم وجود تامين او اعفاء ..كان الامرعصيا …
رغم ان الحالة طارئة والامر جد خطير … كان التامين عائقا ..
ورغم رجاء وتوسلات الام للطبيب رفض الطبيب اجراء التحويل الا في حالة وجود اعفاء ونصح اهل الطفلة بالبحث عن اعفاء نظرا لتكلفة العملية الباهظة … وطمأنهم ان لا خطر على سدين خلال الثلاثة ايام اللازمة للحصول على الاعفاء ..دون ان يكون عالما بالحالة ومضاعفاتها حتى ان هذه الفتوى لم تكن لمن اختصاصه ليقرر ..هكذا امر …
ادخلت الطفلة المستشفى التعليمي المتواضع فنيا وانسانيا ، لتتعرض لابشع انواع الاهمال واللامبالاة بارواح البشر حيث لم تلق اية عناية طبية او تمريضية، حتى وصل الامر الى عدم قياس المؤشرات الحيوية لديها من نبض او ضغط او حرارة ، كما يقوم ملف الطفلة المغدورة …
وبحسب رواية والدتها …..
تقول الام خلال ثلاثة ايام لم يقم أي طبيب بفحص سدين او حتى القاء نظرة متفحصة عليها كان همهم جميعا …الاعفاء والاستعجال ليتخلصوا من العبء والمسؤولية !!
بل وصلت درجة اللانسانية ببعض الممرضات ان تُقرَع الام لصراخ طفلتها مطالبة اياها باسكاتها متذرعة بانها تزعج المرضى ..وكانما ادخلت سدين منتجعا او فندقا او حتى مكتبة تتطلب الهدوء …
سيدتي ملاك الرحمة
ان لم يكن الصراخ والالم لوردة موجوعة متالمة في المستشفى مع هذا الكم من الاهمال فأين يكون ..ان لم تصرخ سدين متوسلة لبارئها ان يمن عليها بالشفاء او يأذن لها بالرحيل عن عالمكم البائس في المستشفى فاين يكون …؟؟؟
يا ملائكة الرحمة …هل ازعجك صراخ سدين ووجع سدين … بشراك يا سيدة الرحمة فقد رحل صوت سدين …ولكن طيفها سيظل يؤرق نومك وصحوك …ويستمطر عليك اللعنات …
تكمل ام سدين فصول حكاية العار على الانسانية ..فتقول ….
كان الطبيب المشرف في مستشفى الرحمة او ما يفترض ان يكون مستودعا للرحمة …يمر في الصباح صحبة تلاميذه فقط ليشرح لهم بلغة لا افهمها معتبرا طفلتي نموذجا او دمية او وسيلة تعليمية لا روحا مقدسة ونفسا زكية …
وتكمل …يوم تفاقمت حالة سدين ….
سمعت الممرضات يتحدثن عن اعطائها دواءً خاطئا …
هل اعطيت سدين دواء خاطئا ..هذا ما سمعته من عتاب الممرضة لزميلتها وللطبيب المشرف ثم انتبهوا الى وجودي فتحدثوا بالانجليزية .. لكي لا افهم ما يقولون …
قالت احداهن ما كان لازم نعطيها هذا الدواء …
يا ويحي أهكذا يكون الطب
ويكون العلاج والدواء ..
اصيبت سدين بعدها بتشنجات متلاحقة قتلتها …
فوصلت المستشفى الذي كان ينبغي ان تصله فورا قبل عدة ايام ..
كنفس وكروح .. كمخلوق مقدس .. وصلت بسلام ..لكن رفقة الموت ……
وفي المستشفى المتخصص ..وعندما رأى الطبيب المختص الصورة الطبقية
قرر ان هذه الحالة كان يجب ان تحول فورا الى المؤسس كحالة طارئة …
وخصوصا ان الصورة اخذت قبل عدة ايام …
وقال لي …التأخير قتلها …
لن اخفي الامر عنكم ابنتكم متوفاة دماغيا ….
رحلت ابنة التسعة اعوام ..
ولا زالت صويحباتها في مدرستها ينتظرن عودتها …

جبتوها متأخرة ….
جبتوها متأخرة …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى