انقراض الرأسمالية/ د. هاشم غرايبه

هنالك مقولة دارجة مفادها أن العالم كان في يوم ما زاخرا بالديناصورات ، ظلت تتقاتل حتى كادت أن تفني بعضها لكن كارثة طبيعية أو ربما نيزك سقط على الأرض فأحرقها فانقرضت تلك المخلوقات المرعبة . طبعا هي نظرية لا يوجد ما يثبتها أو ينقضها ، لكن أحداثا مماثلة ألمت بالعالم القديم إخبرنا الله عنها في الكتب السماوية ، طالت حضارات أقوام سادت وتجبرت زمنا إلى قضي عليها بكارثة دمرتها فانقرضت مثل الطوفان العظيم الذي دمر العالم القديم وهلك الإنسان إلا نوح ومن كان معه ، ومن نسله عاد البشر ليعمروا الأرض من جديد، لكنهم ما لبثوا أن عادوا لفسادهم وكفرهم ، فأهلكهم الله من جديد ، ةبعضهم ما زالت آثارهم قائمة مثل ثمود وقوم لوط وعادٍ الأولى التي قطنت في الأحقاف واكتشفت حديثا آثار حضارتهم التي كانت عاتية جبارة . هنالك نظرية تقول أن عاد الثانية قد تكون بدأ ظهورها في هذا العصر ممثلة بأمريكا ، مستدلين بذلك من الجبروت والطغيان الذي يسود العالم على يديها الآن ، وقد تلقى نفس المصير الذي لاقته كل الأمم الطاغية ، لكن ليس بالضرورة أن تكون بنفس الأسلوب أي الكوارث الماحقة ، بل قد تكون عن طريق التآكل الذاتي بفعل الجشع والطمع مثلما حدث مع الديناصورات التي كانت الأرض تتسع لها جميعا لو بقيت مسالمة ، لكن عدوانيتها دفعتها الى التقاتل . النبوءة تقول أن مهلكة أمريكا والنظام الغربي التابع لها سيكون في انهيار النظام النقدي ، وتفسير ذلك كما يلي : الرأسمالية مذهب وحشي غير تعاوني ولا خيري ، يقوم على الإستحواذ ولا يهتم بالقيود الأخلاقية ، فالنجاح فيها يعتمد على تنامي الربح والعوائد بلا حدود ، فالأقوى يأكل الأضعف ، ونموه وزيادة نفوذه معتمد على عدد من يفترسهم ممن هم أضعف . تطورت الرأسمالية كثيرا من بعد ” آدم سميث ” منظّرها الأول ، فتحولت الى الإمبريالية من أجل الحصول على المصادر الطبيعية بأبخس الأثمان ، كما استفادت الصناعات الحربية من الحروب المصاحبة لها . بعد أن استتب الأمر للإمبريالية ، وخاصة بعد هزيمة النظام المنافس (الشيوعية ) ودخول البلدان التي كانت تعتنقها في الرأسمالية أفواجا ، انبثقت العولمة كمرحلة ثالثة من أجل وصول الصادرات الغربية الى كل فرد في العالم ، وعن طريق إيصال خدمات الإنترنت ، بات وصول الدعاية التسويقية الى كل بيت في العالم متاحا ، وبواسطة اتفاقية التجارة الحرة فتحت الأبواب مشرعة لإغراق سوق كل بلد بالبضائع الغربية المنافسة للمنتج المحلي وهزيمته . المرحلة الرابعة والأخيرة التي نعيشها الآن هي ” الليبرالية الجديدة ” وهي تطوير لليبرالية التقليدية التي تعني إزالة القيود والحواجز أمام المنتجين ، لكن الجديدة فطنت إلى عيوبها القاتلة المتمثلة بأن نفعها ينعكس فقط على كبار الرأسماليين ، فأضافت الجديدة اهتماما بمتطلبات المستهلك في ضمان صموده أمام الإستيلاء على كل ما في جيبه نتيجة لحمى الإستهلاك التي عصفت بالطبقة الوسطى ، فأنشأت صناديق حماية المستهلك من تأمينات اجتماعية وصحية . لكن .. من مأمنه يؤتى الحذِر ، فالنظام النقدي المتبع الان ومنذ عهد ” نيكسون ” يعفي أمريكا من رصد الذهب مقابل العملة الورقية المطبوعة ، وذلك بمنطق القوة العسكرية وليس المقدرة المالية ، وهذا من قبيل الجبروت أي التصرف بموجب الغرور الذي تولده القوة الحربية .. وهو ذاته ما كانت تتبعه عاداً الأولى ! إن ما يبقي الإستقرار النقدي هو المصلحة المشتركة للجميع في بقائه ، لأن جميع دول العام تحتفظ بالدولار كرصيد احتياطي استراتيجي ، وأية هزة مهما كانت بسيطة ستلحق ضررا كبيرا بكل هؤلاء . فأية هشاشة تلك .. وأي استقرار ذلك الذي هو معلق على أسنة رماح المصالح المشتركة ؟؟ الفرد الإنساني تحول بفعل هذا النظام الإقتصادي ، إلى مجرد ( برغي ) صغير في دولاب ضخم ، يدور معه ملتصقا به خشية السقوط ، وليس له قيمة بمفرده بل إن ما يناله من مردود مرتبط باستمرار دورانه معه . فالفرد الغربي يعيش ليومه ، ليس له من اهتمامات إلا الطعام والجنس .. أي أصبح كالكائنات الأخرى غير الإنسانية ، الفرق الوحيد عنها هو في التسلية التي يمضي بها وقت فراغه . تمكن هذا الدولاب الجبار من سلبهم عوامل انسانيتهم وشعورهم بدورهم وأثرهم في تقديم الخير للآخرين أو التفكير التأملي في خلق الله ، أو في شعور الرضى عن النفس عندما يحقق طاعة الله . ما الذي يبقى للفرد ليعيش من أجله ، إذا كان مشغول الذهن طوال الشهر وعلى مدى عمره الإنتاجي بتأمين قسط سيارته أو بيته أو تعليم أولاده .. ولن ينتهي هذا القلق المضني إلا وقد زال شبابه وقبع وحيدا في بيته أو في بيوت المسنين ينتظر انتهاء أجله ! هل ان ما أفسد عاداً الأولى ، وجلب عليها غضب الله ، أكثر مما أفسد عاداً الثانية !؟. –

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى