إدارة الأزمات أم فزعة الإدارات؟

إدارة الأزمات أم فزعة الإدارات؟

د. علي المستريحي

من الطبيعي أن تحدث أزمة لسبب ما بين فينة وأخرى، ولكن من غير الطبيعي أن تفشل الحكومة مرة تلو مرة في إدارتها لكل أزمة.

كأكاديمي وباحث في مجال إدارة الأزمات العامة، كل مرة تحدث فيها أزمة، أتابع وأراقب باهتمام الكيفية التي تدير فيها الحكومة تلك الأزمة. اللافت أن كل مرة تتكرر الأخطاء نفسها في طريقة إدارتها للأزمة، ربما مع تفاوت نسبي بسيط بين أزمة وأخرى حسب طبيعتها وتوقيتها. كل مرة أنتهي إلى نفس النتيجة: الإدارة الواعية للأزمات غائبة تماما عن عقلنا الباطن!

هناك علم متخصص في إدارة الأزمات، وهناك خبراء ومختصون وباحثون في مجال إدارة الأزمات، وهناك مركز وطني متخصص أيضا بإدارة الأزمات كلف الخزينة الملايين. كما أن لإدارة الأزمات أدبياتها وقواعدها، ولها استراتيجياتها وخططها، ولدى المختصين في إدارتها فهما عميقا لسلوكها، وأنواعها، ومراحل تطورها، والطريقة المناسبة للتعامل مع كل نوع منها، وفي كل مرحلة من مراحلها، وهناك خلية أزمة تتشكل لها أدوارها الواضحة في التعامل مع الأزمة، ومع أطرافها، وفي التنسيق بين الجهات المتعددة ذات العلاقة فيها، خلية تفكر بهدوء وتتصرف بحكمة وتنطق بعلم.

ومع هذا، فلا زال النمط السائد في إدارة الأزمات لدينا هو نمط الفزعة وردة الفعل (reactive response) تتحكم فيها العواطف الجياشة أثناء تفاعلات الأزمة! فهذا ما يحصل كل مرة: الكل يهبّ مفزوعا فارعا دارعا، يتبعها أجواءٌ مشحونة بالولولة واللطميات وشعور بجلد الذات (Self-slapping & flagellation) وجلد الآخر معا، كل طرف يعزف بمفرده ولا يسمع أحد لآخر، الكل يركض كديك مقطوع الرأس، ولا يعرف أحد أين يتجه، يتبع ذلك قرارات متشتتة غير مدروسة، أغلبها “عنتري” الصبغة، مغالية الاستجابة (overacting)، يكون مُحرّشها الأساسي حالة الغليان المصاحبة للأزمة، فتكون عاكسة لردّات الفعل العاطفية المفتقدة للحكمة، ثم سرعان ما تنتهي الأمور فجأة إلى لا شيء، فتبرد “مؤقتا”، ثم تبدأ بعدها حالة من الغموض والتخبط والتضارب غالبا ما تكون نتيجة القرارات المتخبطة للتعامل مع الأزمة أثناء حدوثها! فبدل من أن تعالج تلك القرارات جذور المشكلة، تصبح لاحقا عبئا بحد ذاتها، وتحمل في طياتها بذورا لأزمة أو أزمات لاحقة! أزمة مستشفى السلط خير دليل عما نتحدث عنه هنا، وقبلها أزمة المعلمين وقبلهما أزمة قلعة الكرك وأزمات أخرى سبقتها جميعا. السيناريو هو نفسه، والتعلم من الأزمات يكاد يكون معدوما، فنمضي من فشل إلى فشل كل مرة.

بحالة أزمة مستشفى السلط الأخيرة، لا وجود لخلية أزمة، وتداخلت صلاحيات جهات مختلفة وتخبطت وتضاربت قراراتها للتعامل مع الأزمة. أيعقل أن تتشكل كل ساعة لجنة للتحقيق بالأزمة (لجنة إدارية داخل المستشفى، ثم لجنة قضائية، ثم لجنة عسكرية، ثم لجنة نيابية، وربما كان هناك لجان أخرى)؟ ثم الأكثر خطورة من ذلك تلك القرارات التي تبعت الأزمة، والتي عكست سلوك الفزعة والتخبط وسوء الفهم بأجلى معانيها. فمثلا، ما المعنى أن يتم تعيين متصرف داخل كل مستشفى؟ ما هو دور هذا المتصرف، وأين تقف حدود سلطته ومسئوليته وصلاحياته نسبة لمدير المستشفى والعاملين فيه؟ وما معنى أن يتم تعيين متصرف بمستشفى عسكري أصلا؟ ثم ما مبررات فكرة تحويل المستشفى من مدني لعسكري، وهل يفترض أن يتم تحويل كل المستشفيات العامة لعسكرية كي نمنع أدائها المترهل؟ ثم على النطاق الأوسع، كيف لوزير داخلية ذي خلفية عسكرية خالصة أن يدير وزارة مدنية كوزارة الصحة دون أدنى معرفة لديه بالطب والرعاية الصحية؟ إن كل هذه القرارات المتخبطة غير المدروسة تحمل نفسها في طياتها مشاكل لاحقة ستؤدي للاحتقان وللتأزم وستكون تكلفتها عالية!

على الحكومة أن تعود لرشدها، وتمسك عقالها وتعيد من تم تهميشهم وإقصائهم من الكفاءات الوطنية لإدارة الدولة، وتتخلص من الفاشلين “الملاقيط” الذين دفعت بهم خلال العشرين سنة الماضية إلى الواجهة، فأفسدوا السياسة، ودمروا الإدارة والمؤسسات، وأهلكوا الحرث والنسل، وأساءوا لسمعة الأردن بعد أن كان نموذجا يُحتذى قبل عقدين من الزمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى