“فقدتم في بلدكم كنزا” !!‏

“فقدتم في بلدكم كنزا” !!‏
د. علي المستريحي 
كنت جديدا بأستراليا وحديث العهد بقيادة سيارة هناك مع بدايات وصولي سنة ٢٠٠٨، بدولة تعتبر غاية في الدقة ‏والتنظيم والقوانين الكثيرة التي تضبط القيادة .. المهم، حصل وقطعت اشارة ضوئية حمراء مع وميض كالبرق من فلاش ‏الكاميرة، ثم بعد أسبوع وصلتني المخالفة الى البيت بالبريد! كانت المخالفة ٣٥٠ دولار مع خصم ٣ نقاط من ١٢ نقطة وهي ‏كامل الرصيد ..  سألت عما إذا كانت هناك من طريقة لتخفيض قيمة المخالفة، فأخبرتني إحدى زميلات الدراسة، وكانت ‏أسترالية، أن أذهب للمحكمة بموعد الجلسة المقررة والمثبتة بورقة المخالفة، وعند سؤال القاضي، فقط أجيب أنني ‏مذنب! ‏
دخلت مكتب القاضي، فاستقبلني بابتسامة عريضة، وسلم عليّ باليد، وطلب مني الجلوس، وسألني إن رغبت في شرب ‏شيء! ثم سألني من أي بلد أتيت، فأجبته .. لكنه لم يكن يعرف الأردن، فكانت إجابتي الحاضرة دائما: “الملك حسين”! فهزّ ‏رأسه بانبهار واعجاب، ووجدت أنه يعرف عن الملك حسين –رحمه الله- أكثر بكثير مما توقعت! بعدها أخذ يسألني عن ‏أحوالي، وعرف أنني طالب دكتوراه وأنني حديث العهد بالبلد، فقال ممازحا: “هذه الإشارات ملعونة لا تفرق بين شاب وسيم ‏مثلك ورجل كهل مثلي لم تعد تكترث له الفتيات” !! فأجبته: “لو كنت إشارة ضوئية لتواعدت معك!!” .. ضحك وقال: ‏‏”أرجوك لا!” .. ثم قال: “لكنك مذنب؟”، قلت: “أيما ذنب!” .. فمال على سكرتيرة تطبع على الكمبيوتر وقال لها: “قضيت بأن ‏يدفع نصف المخالفة وتبقى النقاط” ..  ثم توجه اليّ وقال: “فقدتم في بلدكم كنزا !!”، وكان يقصد الراحل الملك حسين! ‏فقلت له وأنا أهم بالخروج: “سأشتكيك!” .. فضحك بصوت عال وهو يودعني إلى الباب!! ‏
اليوم، وبعد عشر سنوات من العمر قد رحلت، لا زالت جملة القاضي كامبل “فقدتم في بلدكم كنزا” ترنّ بأذنيّ، بل ‏أصبحت تعصف برأسي كل يوم ..! رعالك الله يا كامبل .. كنت ذلك الوقت تعيش اليوم، وتعرف عن الملك الراحل أكثر بكثير مما كنت أظن!!‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى