عسكرة التربية وتردي التعليم / د. حسين عبيدات

عسكرة التربية وتردي التعليم
بالأمس استمعت إلى المؤتمر الصحفي لوزير التربية والتعليم من قبيل المصادفة، فأنا ولله الحمد ليس عندي أحد بالثانوية العامة. فقط أردت أن أسمعه وهو يتحدث لأن أحد مصححي مبحث اللغة العربية لهذا العام قال إن التعليمات تقتضي التشديد في التصحيح حتى على الفاصلة والنقطة، ولابد لمن يوجه بمثل هذا أن يتحدث لغة سليمة أسوة بطلابه، لكنني فوجئت به وهو يهشم اللغة العربية فينصب فاعلها ويجر مفعولها و “يظلل صعوباتها”، كيف يحاسب الطلبة على الفاصلة والنقطة وهو راسب بالمبحث بامتياز؟ صحيح أن فاقد الشيء لا يعطيه. هذا ليس هو مغزى الحديث.
لقد بدأ الوزير حديثه عن انجازات وزارة التربية وتخال نفسك تستمع إلى تقرير أمني يتمثل في ضبط الغش وتقليل عدد المخالفات وحسن سير الامتحانات. هل هذه هي الإنجازات التي نفخر بها عبر الفضائيات؟ لكن مالغريب في الأمر فنحن البلد الوحيد في العالم الذي يشكل غرف عمليات لامتحان الثانوية العامة ايذانا بإعلان حالة الحرب وتتوزع الحراسات أمام المدارس وعلى أبوابها فترى ذوي الممتحنين يعيشون حالة من الرعب غير مسبوقة ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء هذا الكابوس ليترقبوا كابوس وأحجية اعلان النتائج وهو حصريا امتياز أردني.
لو كان تعيين مديرا للأمن بالترشيح لما نافس وزير التربية على هذا المنصب أحد، فقد حقق مالم يحققه أحد قبله وعسكر التربية بنجاح ليس له نظير.
أما التعليم فمن سيء إلى أسوأ. كنت أظن أن الوزير سيتحدث عن انتهاء عهد التلقين إلى غير رجعة وبداية عصر التفكير الإبداعي- وقد فعل،فقد جاءت التعليمات الى المصححين بمحاسبة الطلبة على حرفية ما ورد في الكتاب وليس بلغتهم الخاصة فلا مجال لإعمال العقل، شأنهم شأن آلات التسجيل وهو ما قصده بأن الإمتحان من داخل المنهاج- وتطوير قدرات ومهارات المعلمين وتخليص المناهج من الحشو الفارغ والتركيز على الموضوعات التي يحتاجها الطالب للدراسة في الجامعة. كنت أظن أنه سيتحدث عن عصر اختيار الطلبة لمباحثهم في حين أن بقية المباحث التي لا تدخل في تخصصهم يكتفى بالنجاح بها في المدرسة. كنت أظن أنه سيتراجع عن مقولة تقليص المباحث دمجا ويقوم بتقليصها عددا، لكن تطوير التعليم هو آخر ما يفكر فيه. كيف لا وهو رجل متفرد في قراراته لا يسمع الا نفسة ملك علم الأولين والآخرين. لقد أخذه الغرور بنفسه جراء حديث الناس عن نجاحه في ضبط ظاهرة الغش حتى أصبح لا يفكر إلا في اتجاه واحد وهو الإتجاه الأمني وأصبح هاجسه الوطني امتحان ثانوية عامة خال من المخالفات لا ينجح فيه أحد وليذهب التعليم إلى الجحيم. وتستغربون النتائج! عشرون معدلا أقل من المتوقع على أقل تقدير هذا إن لم يحالفهم الحظ ويخفقوا في مادة أو مادتين وربما الأوفر حظا بأكثر من ذلك. والحل السحري لمشكلة التعليم يكمن طبعا في التوجه للنعليم المهني!
التعليم المهني يا معالي الوزير لا يساق له الطلبة سوقا بل ينمى معهم منذ المراحل الأولى وفق تخطيط تربوي سليم. لكن التخطيط عندنا ترف ونحن نعمل بنظام الفزعات وندعي المؤسسية في العمل. ولا أدل على ذلك من أنه كل ما جاء وزيرنسف قرارات الوزير السابق وأمطر الناس بقراراته غير المسبوقة ثم ينتظر الناس الفرج عله يحل برحيله عن ذلك الموقع ويسمعون خبرا سعيدا.
أما أنتم ياطلبة الثانوية العامة أنتم وذويكم فلكم الله وللأردن مادام هذا الوزير يتربع على كرسي التربية ويطل عليكم عبر شاشة التلفاز وعلى التعليم السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام رائع يا د. حسين. لقد وضعت يدك على الجرح. لقد اصبحت الثانويه العامه هاجسا و حملا ثقيلا على الطلبه و اهاليهم. و اشكرك على استخدم تعبير العسكرة. فعلا اصبح خوض الثانوية العامة حربا على امن واستقرار نفوس الطلبه و اهاليهم. نتمنى ان نجد من ينظر لمصلحة الوطن. فمن يريد جيلا صالحا لا يكون ذلك بالترويع و الترهيب.
    شكرا د. حسين عبيدات. لقد ابدعت.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى