الثانوية العامة ومستقبل التعليم / د. حسين عبيدات

الثانوية العامة ومستقبل التعليم
بداية نبارك للذين نجحوا في الثانوية العامة وللذين حصلوا على معدلات كاملة أوشبه كاملة وحظا اوفر للذين لم يحالفهم الحظ ونتمنى لهم النجاح في الدورة التكميلية، ولكن ما هذه القفزة غير المسبوقة بتاريخ الثانوية العامة في الاردن؟، قفزة في المعدلات لا تصدق وقفزة في نسب النجاح. بالتاكيد هؤلاء أذكياء ولكن ليس أكثر ممن سبقوهم مع أن تقسيم الامتحانات على الفصول يعطي السابقين فرصا أفضل من اللاحقين. فهل نتحدث عن نقلة نوعية في التعليم خلال عام واحد ولمسات سحرية جاءت بهذه النتائج، حتما وبكل تأكيد هذا غير صحيح. لان الجميع يعلم أن مستوى التعليم في انحدار ومدخلات التعليم الجامعي خير دليل على ذلك. وقد يقول قائل: إذا انخفضت نسب النجاح والمعدلات لا يرضيكم وإذا ارتفعت لا يرضيكم!. ونقول لا هذه ولا تلك. لكن ما أجزم به هو أن هؤلاء الطلبة لو تقدموا للامتحان بمدارسهم وليس عن طريق الوزارة لما جاءت المعدلات بهذا الارتفاع الفلكي مع ان نسب النجاح قد لا تتغير. ما يجمع عليه الاساتذة الذين راقبوا وصححوا وما يوافقهم عليه الطلبة أن الاسئلة كانت مباشرة من المنهاج وليس فيها ما يختبر الذكاء. فمن درس وحفظ حصل على العلامة الكاملة ومن كانت قدراته غير ذلك حصل على علامات متدنية، هذا بالإضافة إلى التوجيهات للمصححين بعدم التشدد والقبول بأي إجابة تتضمن شيئا من الصواب على أنها إجابة صحيحة. فما الذي تغير عن السنوات السابقة؟ هل هو تسويق لامتحان الفترة الواحدة على أنه نظام ناجح؟ فإذا كان الأمر كذلك فقد تحقق المطلوب. وإذا كان الهدف هو الوصول إلى مرحلة التخلص من امتحان الثانوية العامة على أنه امتحان يقرر المرحلة اللاحقة، فما هي البدائل التي وضعتها الوزارة لامتحان الثانوية العامة؟ حتى الآن لاشيء.
قبل سنوات قليلة قامت ثورة في وزارة التربية على خريجي الثانوية العامة من دول الخليج وتحديدا السعودية بحجة أنهم يحصلون على معدلات 100% و99% وهي معدلات رفضتها الوزارة وباتت تطالب الطلبة الحاصلين عليها بامتحانات قدرات وقياس وامتحان قدرات اردني لتقييم الطلبة، علما أن مناهجهم التعليمية تضاهي المناهج الاردنية إن لم تكن أفضل بغض النظر عن مستوى التعليم. فهل سنطلب من خريجي الثانوية العامة الاردنية في ضوء المعدلات الفلكية اختبارات تقييمية ثانية نقرر على أساسها قبولهم في الجامعات؟ طبعا لا، لأنه ليس لدينا مراكز لمثل هذه الاختبارات أولا ولأننا حريصون على مصداقية امتحاناتنا ولو صوريا. والتساؤل المشروع التالي هو إلى أين نريد أن نصل بالتعليم في الأردن؟ فمنذ سنوات ونحن نتحدث عن التدهور الذي لحق بقطاعي التعليم والصحة في الأردن واللذين كانا مصدر فخر لهذا البلد بسبب الكفاءة البشرية التي تتخرج من القطاعين. وأن هذين القطاعين مستهدفان وبشكل ممنهج للوصول إلى هذا المستوى من الإنحدار. ورغم الدعوات المتكررة للإرتقاء بهما إلا أن ما يحدث على أرض الواقع مغاير تماما. ولسنا ببعيدين عن الضجة التي حدثت نتيجة عدم الإعتراف بالعديد من الجامعات الأردنية وردات الفعل المتخبطة على هذا الموضوع بدءا من وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، مرورا بالجامعات وانتهاءا بالمهتمين بالتعليم من أكاديميين وغيرهم.
أم أن الأمر بعيد عن أن يتم تحميله كل ذلك، وإنما الموضوع برمته يعني بعض الجامعات الخاصة التي بات عدد منها على وشك الإفلاس للنقص الحاد وشبه المتلاشي في بعض التخصصات في أعداد الطلبة الذين يتقدمون للدراسة بها، لإنة وخلال السنوات الأخيرة بات معظم من ينجحون في الثانوية العامة يلتحقون بالجامعات الحكومية وجامعات خاصة متميزة. فكان لا بد من خطة أو مشروع لأنقاذها وهو ما سيتمخض عن نتائج الثانوية العامة لهذا العام. ففي ظل المعدلات الحالية لا يتوقع أن تقل معدلات القبول في الجامعات الحكومية عن 80%، مما يعني أن أعدادا كبيرة من الطلبة ستتجه إلى الجامعات الخاصة وهو مالم تره منذ سنوات. وإذا كان هذا هو الهدف الخفي وغير المعلن فإن هذا يعيدنا إلى ما تحدثنا عنه حول تدهور قطاع التعليم الذي يحدث وفقا لتخطيط مسبق، وهذا موضوع خطير يجب الوقوف عنده والبحث فيه بشكل جاد ووضع حد لما يحدث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قطاع التعليم. فنحن لم نعد نثق بما يحدث وما يخطط له، والتفرد بالقرارات ضمن القطاعات المعنية والتصرف بها على أنها مزارع خاصة والتغول عليها من قبل المتنفذين ينذر بالخطر وعلى كل الجهات المعنية أن تتحمل مسؤولياتها تجاه ذلك، فلم يعد الاردن يحتمل كل هذا.
مرة ثانية نبارك لكل الذين نجحوا والذين تميزوا في الثانوية العامة ونتمنى النجاح في الدورة التكميلية لكل الذين لم يحالفهم الحظ. حمى الله الاردن قويا عزيزا من كل ما يدبر له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى