التفاصيل الكاملة لفساد السلطة الفلسطينية.. برلمانية بحركة فتح أزاحت الستار عنها

سواليف

لم يفطن أحد إلى أن عاصفة سياسية في الضفة الغربية هي الأكبر منذ سنوات قامت، وانقشعت غيومها الأسبوع الماضي دون أن تلفت انتباه واشنطن.

فقد اتهمت البرلمانية نجاة أبو بكر من حزب الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه مسؤولين كباراً في السلطة الفلسطينية بتهم فساد، ثم لجأت إلى مبنى البرلمان بعدما أصدرت السلطة الفلسطينية مذكرة باعتقالها، وفق تقرير نشرته صحيفة دايلي بيست الأميركية، الثلاثاء 15 مارس/آذار 2016.

بعدها وعلى مدار أسبوعين اجتمع المعتصمون والمحتجون في الشوارع وتمخضت أسابيع من المفاوضات عن تأمين مرور أبو بكر إلى بيتها في نابلس الأسبوع الماضي.

بداية القصة

القصة بدأت في فبراير/شباط الماضي عندما وجهت نجاة أبوبكر إلى حسين الأعرج وزير الحكم المحلي الفلسطيني المقرب من عباس تهمة إساءة استخدام الأموال العامة في إقامة مشروع بئر ماء كلف 200 ألف دولار.

سارعت السلطة إلى إصدار مذكرة استدعاء وتوقيف عقب الاتهامات، حيث من المعروف عن السلطة الفلسطينية تفشي الفساد فيها وقمع المنتقدين، فما كان من أبو بكر إلا أن لاذت بمبنى البرلمان للاحتماء، ومن حينها وهي تقدم الأوراق والأدلة على صحة تهمة الفساد ضد الأعرج وغيرها من تهم الفساد الكبرى، حيث قدمت أدلتها لرئيس هيئة مكافحة الفساد رفيق النتشة ولرئيس كتلة فتح البرلمانية عزام الأحمد. بيد أنه من غير الواضح كيف سينظر إلى هذه التهم أو كيف ستعالج.

ليست المرة الأولى

وليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيها أبو بكر صراعاً ضد فساد القيادة الفلسطينية، ففي عام 2013 اتهمت علناً رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك سلام فياض، بالانتفاع من الأموال العامة من أجل إنفاقها على أمنه الشخصي، في مفارقة، لأن فياض نفسه كان بطل سياسات مكافحة الفساد وقتها.

ثم شنت في العام الذي تلاه 2014 هجوماً على خليفة فياض، رامي حمدالله، بسبب قمعه للاحتجاجات النقابية. كما اتهمت وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بالمحسوبية عندما أصدر ترقية لمسؤول مدان بتهم فساد إلى منصب سفير عام 2013.

لكن أحداث الأسابيع الماضية كانت مختلفة، ففي بلد يتراشق فيه الساسة بتهم الفساد الجزافية بغية كسب تأييد الشارع، قلةٌ قليلة تحفل بتقديم أدلة دامغة تثبت صحة مزاعمها مثل أبو بكر؛ وهناك أيضاً عامل الاحتماء بمبنى البرلماني الذي لم يقدم عليه أحد منذ أيام الراحل ياسر عرفات حين حاصرته القوات الإسرائيلية بتهمة الحض على العنف في الانتفاضة الثانية.

الموقف الأميركي

قد يُدهش الأميركيون من قصص الفساد هذه في الأعوام الأخيرة، لكن ما لا يعرفونه أن تهم الفساد لطالما رافقت السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها أوائل التسعينيات؛ ففي عام 2003 وجدت لجنة فحص وتدقيق تابعة لصندوق النقد الدولي أن عرفات كان قد حوّل 900 مليون دولار من الأموال العامة إلى حساب بنكي خاص بين عامي 1995 و2000، كما أن تقريراً آخر وجد أن عرفات ومقربين منه نقلوا حوالي 300 مليون دولار إلى حسابات بنكية سويسرية بين عام 1997 و2000.

ثم جاء عباس خلفاً لعرفات عام 2005 فأملت الولايات المتحدة أن يقوم المفاوض المخضرم -بمساعدة فياض- بإصلاح النظام الفلسطيني الفاسد. لكنهما أكملا النهج ولم يصلحاه، فكان أن عاقبهما الشعب الفلسطيني عام 2006 عندما صوت الناخبون لصالح منافستهم حماس. وكما ندب أحد أعضاء حزب فتح، سمير المشهراوي، فقد “دفع الحزب الثمن بسبب فساد إدارته وبسبب بضعة من القادة الفاسدين”.

لكن عباس بدلاً من إصلاح أخطائه بدأ ينغمس أكثر في دور الحاكم المطلق الفاسد، فبعدما أحكم سيطرته على فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عام 2007 ضرب بعرض الحائط أي اعتبار لأولويات الشفافية والنزاهة في الحكم، فأقال فياض عام 2013 أمام غضب وغيظ الداعمين الغربيين الذين أرادوا لحكومة رام الله أن تتحلى بالمصداقية من أخمصها إلى أعلاها.

ثم في وقت لاحق من تلك السنة وجدت لجنة فحص تابعة للاتحاد الأوروبي أن السلطة الفلسطينية أساءت استخدام 3 مليارات دولار بين عامي 2009 و2013.

لجنة لمكافحة الفساد

من بعدها رضخ عباس وشكل لجنة لمكافحة الفساد عام 2010، بيد أن رئيس هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية رفيق النتشة ذا الـ81 عاماً، أعلن أخيراً أنه لم لم ينجح سوى باستعادة 70 مليون دولار فقط خلال 5 أعوام، كما قال النتشة في مقابلة صحفية، إن مشكلة الفساد الفلسطيني ليست بالحجم المبالغ فيه الذي يصوره ويهوله الإعلام الغربي على مدار عقدين.

لكن ذلك لم يفلح في تبديد شكوك المانحين الدوليين الذين انخفض دعمهم السنوي، فالاتحاد الأوروبي خفض دعمه من 1.3 مليار دولار في العام إلى 700 مليون دولار فقط حسب رويترز، كما صرح رئيس الوزراء رامي حمدالله في ديسمبر/كانون الأول، أن الدعم الدولي قل بنسبة 43% منذ 2011، ما فاقم الأزمة المالية في البلاد التي دفعت بآلاف المدرسين والمعلمين إلى الشوارع متظاهرين ضد عدم وفاء الحكومة بوعدها زيادة أجورهم حسب اتفاق عام 2013.

موقف عباس

خصوم عباس (حماس، ودحلان المسؤول السابق والمنافس اللدود لعباس، وجبريل رجوب الذي يطمح هو أيضاً لمنافسة عباس) جميعهم ينتقدون حكومة عباس نقداً لاذعاً وخصوصاً دحلان الذي يعيش في المنفى، والذي على الدوام يصف عباس بـ”الدكتاتور الفاسد” والذي رفع دعوى بحقه عام 2013 بتهمة الفساد.

أما رجوب فدعا إلى “توازن في القوى عبر انتخابات ديمقراطية حرة”، وهي دعوة تجد أصداء ترحيب في الشارع لسبب وجيه، فعباس يدخل عامه الـ11 في فترة ولايته التي مدتها 4 سنوات فقط.

إن هذا الفساد سياسي بقدر ما هو مالي، هذا هو السبب الذي دفع ملايين العرب في العواصم العربية إلى النزول في حركات احتجاجات الربيع العربي.

حتى اللحظة بقيت فلسطين في منأى عن موجة الأزمة تلك، لكن وكما أثبتت نجاة أبوبكر فإن الحاجة إلى الإصلاح ضرورة قصوى. متى تصحو عين واشنطن من غفوتها؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى