إن لم تعرف كيف تستخدم الشوكة والسكين فأنت أردني من الدرجة الثانية!
”سندروم عقدة الثقافة المنبوذة .. ثقافتنا عار علينا”
د. علي المستريحي
بإحدى محاضرات الماجستير بإحدى الجامعات الأردنية بمنتصف عام 1995 (وكنت طالبا حينها)، كان الموضوع المتداول للنقاش قضايا التوظيف بالسلك الحكومي .. ومن الطبيعي أن تكون قضية الواسطة والمحسوبية و “حصر الوظائف بالمواقع الحساسة، ومنها وزارة الخارجية، بأبناء الذوات والنخبة” (حيث كانت مداخلتي بالذات).. لكن الصادم بالأمر كان إجابة الدكتورة، التي رأت أن مثل هذه الوظائف تتطلب أن يكون لدى القائم بها تاريخا عائليا طبقيا (أي ثقافة أسرية “متمدّنة”) يتقن مهماتها بما تعلمه من بيئته الأسرية، فيفهم البروتوكول و “لديه اتيكيت”! ثم سألتني:
”وهل تعتقد يا حضرة أن الفلاح ابن القرية لديه معرفة باستخدام الشوكة والسكين عندما يكون وفدا أجنبيا يشاركه المائدة؟”!! حاولت الاعتراض (كعادتي) ولكن أسكتتني (بتهديد ضمني)! وطبعا بعدها دفعت الثمن باهظا بذلك المساق وغيره!
رحلت الأيام وبعدها سنين، خالطت فيها كل صنوف الأجانب، من الأمريكي للفرنسي للأسترالي للياباني للماليزي، ومن مختلف الطبقات وبكل المناسبات، ولكني لم أجد يوما أن لدى أي منهم مشكلة لأحد أن يأكل بالطريقة التي تريحه .. بل وأكثر من ذلك، دأبت إدارة كليتنا “ببلاد الفرنجة” قبل القيام بترتيب لقاء لنا كطلبة دكتوراه بأحد من علية القوم أن تبعث لنا ايميلا تسألنا فيه مسبقا إذا ما كان لدينا “تحفظا” أو “حساسية ثقافية” من نوع ما على شكل وطريقة ترتيب الجلوس وبروتوكول اللقاء، أو كان لدينا تحفظا تجاه نوع معين من الأكل أو الشراب، فكنا نطلب اللحم الحلال والمشروبات الخالية من الكحول، لنجد بعد اللقاء على المائدة المفتوحة حافظات خاصة تحمل أسماءنا!
لا زال الكثير يخجل من ثقافتنا ويقنعون أنفسهم وغيرهم أنها عار، وأن “الآخر” سيكن لهم وافر الاحترام إن تمثلوا بثقافتهم، والحقيقة أن الأمر معكوسا، فيزيد احترام الآخر لنا ان تصرفنا بطبيعتنا، فنجدهم كثيرا ما يرددون: “كن نفسك be yourself”.. مَثَل المتمثلين بثقافة غيرهم كمن يلبس ثوب غير ثوبه، وكمثل مَنْ أختار أن يقضي الصيف بالغور والشتاء بعجلون، فلا كسبوا هذا ولا ذلك! هؤلاء هم أنفسهم العار على ثقافتنا، لأن لديهم عقدة النقص، فكانوا من أسباب تخلفنا بين الأمم ..
أما دكتورتنا المبجلة، فلا زالت تتبوأ مناصب النخبة حتى ملّت المناصب منها فغطت بنوم عميق، بعد أن ”عدلت فأمنت فنامت” حسب معايير النخبة!