والمخفي أعظم

والمخفي أعظم
د. هاشم غرايبه

عندما كتبت عن “البيت الإبراهيمي” الذي أنشئ في ابو ظبي، كنت مثل غيري من أبناء الأمة، أنظر الى الأمر بسذاجة وحسن ظن، اعتقادا أن الفكرة ربما من باب التزلف للغرب وربيبتهم، لكني حينما تعمقت بالبحث في الموضوع، وجدت أن الأمر ليس مجرد مبادرة، بل تنفيذ لبند من برنامج بدأ تنفيذه فعليا عام 2007 في استعجال، لجني واحدة ثمار حملة “الحرب على الإرهاب”.
أطلق على البرنامج مسمى: المسار الإبراهيمي، والفكرة الشيطانية كانت من شخص مصري مقيم في أمريكا، وينتمي الى إحدى المجموعات السلفية المتطرفة التي يتبناها الغرب، والتي اعتمد عليها في تنفيذ أعمال بشعة لأجل وصم الإسلام بالإرهاب وإعطاء الغرب والأنظمة العربية الذريعة للبطش بالإسلاميين الذين يسعون لاستعادة وحدة الأمة من جديد.
اسم هذا الشخص “سيد نصير” وهو الذي أدين بقتل الإرهابي “مائير كاهانا” عام 1990، ورغم أنه ثبت أن مقتله كانت برصاصة مجهولة المصدر وليست من مسدس “نصير”، فلم يلتفت القضاة الى الدليل الذي ينقض إدانته وأصروا على تلبيسه التهمة، فظل يأمل أن يخرج، ولما ماطلوا قدم مشروعا الى وزارة الخارجية الأمريكية قال في مقدمته أنه كفيل بتصفية الإسلام والقضية الفلسطينية.
ظلت فكرته مهملة الى أن تبناها “ديك تشيني”، وعرض تنفيذها على “ويليام يوري” الباحث بجامعة هارفارد المتخصص بمنطقة الشرق الأوسط ، والذي يرأس معهد كينيدي فيها المتخصص بمكافحة الإرهاب، فتبناها عام 2005 تحت عنوان: مسار ابراهام يحقق السلام والإزدهار.
كما تبناها أيضا “توني بلير” وبناء على ذلك عينته الأمم المتحدة ممثلها في مباحثات السلام.
الفكرة مبنية على تحقيق أمرين:
الأول: تجاوز الإسلام بالعودة الى ما قبله أي الديانة الإبراهيمية، بحجة أن حل الخلاف بين العقائد السماوية الثلاث وتوحدها يكون بالعودة الى المشترك بينها وهو أنهم جميعا أبناء ابراهيم، وفي سبيل ذلك نزع القدسية عن الأماكن المقدسة وجعلها متاحة للعقائد الثلاث، والمقصود عمليا بذلك: البيت الحرام والمسجد الأقصى، لأنه لا يوجد أماكن مقدسة قائمة الى الآن من زمن إبراهيم عليه السلام غيرها، فإن ذلك يحقق نزع صفتها الإسلامية وتدويلها.
الثاني: تحقيق مرتكز عقيدة المسيحية الصهيونية، وهو “مملكة الرب” المزعومة، أي مشروع “اسرائيل الكبرى”، لكي تضم كل الأراضي التي تنقل بينها ابراهيم عليه السلام انطلاقا من جنوب العراق الى شمالها فتركيا ثم بلاد الشام فمصر فالحجاز.
القصة ليست من أوهام المؤامرة، فقد تم اعتمادها من قبل منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، وتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، وشركاء دوليين آخرين، تحت مسمى مبادرة مسار إبراهيم، على أنها منظمة غير ربحية وغير دينية وغير سياسية، مهمتها دعم الشركاء المحليين في تطوير طريق إبراهيم، وحددت مهامها على النحو التالي:
1 – محفز للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياحة المستدامة.
2 – الغاء المواطنة بشكلها الحالي لدول المنطقة ونزع فكرة المدن المقدسة وإزالة المقدسات في القدس ومكة.
3 – اثبات ان اصحاب الأرض من العرب ليسوا سكانها الاصليين، بل الذين بنتمون لسلالة ابراهيم، وذلك من خلال فحص الجينوم.
4 – اجبار الدول التي هاجر منها اليهود على تعويضهم عن قيمة أملاكهم.
5 – نشر التسامح والتطبيع لتمكين الجميع من الوصول للأراضي العربية.
عند ربط الأحداث الماضية، من قصص الإرهاب والحروب والمبادرات بعدها، ومطابقة الأماكن التي جرت فيها، والربط بين كل ذلك، نرى أن ميدانها هو مسرح المسار ذاته.
ما أعاق المشروع مؤقتا هي الهبة الشعبية العارمة في كل المنطقة عام 2011 ، وكادت تعيد الأمة الى عقيدتها فتوحدها، فتحبط الخطة، لكن الأنظمة السياسية العربية المنخرطة في البرنامج بتمويل أموال النفط أحبطتها، ودعمها منافقو الأمة من مدعي التقدمية.
بذلك فإن كثيرا من الأمور التي كانت غامضة علينا بات لها تفسير، مثل:
لماذا أصبحنا نجد كل طبقة القيادات السياسية من شباب أغرار تأهلوا من هارفارد في دورات لمكافحة (الإرهاب)؟.
وكيف تحولت المبادرة العربية (حل الدولتين) الى مجرد صفقة القرن، ومغزى قول “كوشنير” في حفل اعلانها أنها تسعى لإزالة الحدود السياسية في المنطقة؟.
كما تفسر قصص مشروع نيوم، والبيت الإيراهيمي، ومؤسسة الترفيه السعودية، والإعلان عن اتفاقيات التطبيع الخليجية، ودعم حفتر، ومحاصرة داعمي حماس (قطر وتركيا)، وتدمير اليمن،…الخ.
هذه كلها تفصيلات في خطة “اسرائيل الكبرى”، لكن الخطوة الأولى كانت في انقلاب السيسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى