من كتاب المطر / عبدالرحمن رشيد المومني

من كتاب المطر
عبدالرحمن رشيد المومني

جمع ما في حوزته من دولارات… 45 دولاراً.. لا اكثر… ولا أقل.
همس في نفسه مردداً … ( وكيف يعود من كانت تعوزه النقود… وكيف تدخر النقود… وأنت تأكل اذ تجوع.. وانت تنفق ما تجود.. به الكرام على الطعام؟!)… لك السلام يا سياب.. في كل صباح.
نحتاج 5 دولارات وقوداً للسيارة… وبما تبقى سنشتري له حذاء الشتاء… فالشتاء في هذه البلاد اكثر قسوة واقل رحمة من الأوطان. هيا نذهب.

في الطريق… كان الحلاج ينقش تراتيله على الانهار الموشكه على التجمد… وعلى الاشجار في اختلاجات صوت مارسيل.

وصلنا… لا بد انه سيعاني هذا الصبي… فقد ورث الاقدام الكبيرة العريضة عن ابيه… حيث ان كل المقاييس المتعارف عليها لن تجدي… لكن … ها نحن اخيراً نجد حذاء مناسب… 35 دولار… (ماذا سنفعل حتى نهاية الشهر يا رجل؟)… لا عليك… هذا الحذاء اكثر اهمية من باقي الشهر… واكثر جمالاً من واقع عروبتنا. قام بتسجيل انتصاره عند محاسب المتجر… وخرج.

مقالات ذات صلة

في ساحة (المول)… يهمس له ابنه (ابي … اريد ركوب تلك الدراجة على شكل الأسد)… أنت ولد عظيم وطلباتك اوامر… تعال…
( 15 دقيقة ب 10 دولارات).. قالت الفتاة المسؤولة عن الدراجات… قال.. (ألا يمكن ان نأخذ 5 دقائق ب 5 دولارات)… همست له زوجته (نسيت انك وعدتهم بالآيس كريم بعد خروجنا من هنا؟)… قال … لا عليك… هذه الدراجة اكثر اهمية من الآيس كريم … وأكثر متانة من قرارات حكوماتنا. حسمت الموظفه الموقف… وقالت (لا… لا يمكن… 10 دولارات هو الحد الأدنى).

كان الطفل ابن السنوات الاربع ينظر الى الدراجات والاطفال يلعبون هنا وهناك… ما عساه يقول له واي لغة يستخدم ؟!!!… كالعادة… سيخاطبه بالحقيقة… ولا غيرها… دون دوبلوماسيات او مراوغة.
جلس القرفصاء… وهمس لابنه (يا بني… معي 5 دولارات فقط… وهي غير كافية للعبة… دعنا نمضي اليوم… واعدك ان يكون اول ما نفعل حين استلم راتبي القادم هو ان نأتي الى هنا… وتمتطي الأسد الى ان تمل… وانت تعلم اني ابذل عمري ولا اخلف وعدي لك)…
كان في عيني الطفل حرقه… اتراه يفهم حقاً ما تعنيه هذه المفردات؟… اجاب بصوت متحشرج (مش مشكله… خليها للمرة الجاية)…

مضوا والحزن واضح في قسمات الطفل… وحزن اكبر في عيني ابيه…
على مدخل (المول)… بابا نويل يدق جرسه واضعاً سلة امامه… سأل الطفل… (ماذا يفعل سانتا؟)… اجابه (انه يجمع تبرعات ليقوم بتوزيعها على الاطفال المحتاجين)… لمعت عينا الطفل وكأنه وجد ضالته… قال.. (ابي… دعنا نعطيه الخمس دولارات المتبقية..)… ودون تردد اخرج قطعة النقد واعطاها للطفل الذي وضعها في السلة فرحاً…
قال له ( احسنت يا بني… لا اجمل من العطاء دوماً)… رد الطفل وهو يصعد الى السيارة رده الصاعق وعلى وجهه ابتسامة فرح صادق ( الآن يستطيع الأطفال الفقراء اذا اتوا الى هنا ان يركبوا الدراجات دون الحاجة للنقود)

كتم الأب غصة خانقه… قال بصوته المخنوق… (نعم… سيستطيعون ذلك).

همس في روحه… ملعون أنا… ليست الأقدام العريضة هي وحدها ما اورثتك اياه !!!!
اني مطمئن عليك يا ولدي… مطمئن انك ستتعذب في هذا الكون… ستتألم وسيكون قلبك بحر آلامك… لكنك ستكون انساناً… دوماً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى