الجوع أعمى / جروان المعاني

الجوع أعمى
بلفور كان صريحاً بكرهه لليهود ومع ذلك صرح بالوعد المشئوم الذي أنجب دولة عنصرية يكاد لا يعرف التاريخ أبشع منها، وواقع الحال يقول أن الصهاينة مع علمهم الأكيد بكره الغرب لهم إلا أنهم استطاعوا انتزاع الدعم من كل الغرب لتحقيق غايتهم بفلسطين من خلال تسخير ما لديهم من إمكانات ونفوذ وها نحن اليوم نراها تتسيد الشرق الأوسط وترسم مستقبل الشعوب وتتلاعب بمقدرات المنطقة لا بل إنها تنصب وتعزل حكاماً .
التجربة والخطأ كتاب منقرض وضعه (حاييم ويزمن)عام 1949م يروي فيه حكاية قيام الكيان الإسرائيلي حيث تفضح مذكراته التاريخ وتشير بشكل جلي أن المؤامرة على فلسطين ليست غربية بحتة بل إن قيادات تاريخية عربية أسهمت ووافقت على وعد بلفور، وها نحن اليوم (نحتج محتفلين) بمرور مائة عام على خيبتنا حيث الاحتراب في كل مكان والغلاء والفقر والعوز يطارد حتى الدول النفطية، ولا تكاد دولة من دول المنطقة تنجو من الخراب حتى تلك التي تدعي أنها دول آمنة .
لعل اكبر ثمن تدفعه الشعوب العربية هو ازدياد نسب الجريمة حيث الاعتقاد ترسخ عند الحكومات أن الحرية هي عامل من عوامل خراب البلاد، فمثلاً أن تأتي على عيوب الحكومة قد يُفسر على انه محاولة تخريب وتعكير لصفو المجتمع وتحريضه وإذا أعلنت رفضك لوعد بلفور وبيع الأرض لليهود مع انه ما عاد هناك شيء يباع، سيُفسر على انه عصيان، نعم أنت لك مطلق الحرية في كل شيء إلا ذم إسرائيل والأمريكان والمصيبة الكبرى أن تنكر المحرقة .! فالحرية ببلادنا تقاس بمدى رضاهم وبمدى انسجام جوعنا وتعبنا مع شبعهم وراحتهم.
في الوقت الذي يخرج فيه الرئيس الأمريكي الأسبق اوباما ويقرأ التغريدات التي تسخر من سياسته وحتى من لباسه، تخرج علينا حكومتنا بقانون الجرائم الالكترونية لتكمم أفواه الناس وتحرمهم من آخر متنفس لهم وهو الكلمة المكتوبة أو المرسومة، ويتزامن ذلك مع تزايد شعور الناس بالفقر والإفلاس، وهو أمر ينُم عن قصر نظر وعدم إيمان بمبادئ الحرية وينسجم كلياً مع تدهور القيم ويساعد بشكل كبير على عودة العمل السري وهو أمر قد لا يحدث بشكل مباشر لكنه يتدرج واراه قريبا سيصبح حقيقة .
كلنا يعلم أن للحرية ثمناً باهظاً، ونعلم أيضاً أن هناك من هو مستعد لدفع هذا الثمن، سواء من منطلق ديني أو بسبب الضيق الاقتصادي، والدول التي تُعاند فطرة الحياة التي أوجدها الخالق ستخسر،والشعوب التي تصبر بصمت ستتحين الفرصة لتصرخ بحقها، لكن المخيف أن تُستغل هذه الصرخة القادمة من جوف الجوع وتتحول من صرخة صوت إلى دوي رصاص، فيقتتل الأخوة وتعم فوضى المشاعر نتيجة لغياب العقل والعدالة.
ما بين وعد بلفور الظالم والحرية كم هائل من المتناقضات، وما بين حق الإنسان في رفض القوانين الجائرة والحكومات ظلم استفحل وفساد لا ندري كيف سينتهي، وما بين طعامنا الفاسد وحاجتنا للماء تسكن إسرائيل بمخططاتها الجهنمية، وما بين عجز الحكومات العربية وتكميم الأفواه تسكن فئة من أصحاب رؤوس الأموال الذين لا تعنيهم متاعبنا ولا عد بلفور وهدم القدس، فلا تزيدوا الطين بلة بقوانينكم، وتذكروا أن الجوع أعمى.
والله من وراء القصد ثم مصلحة البلاد والعباد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى