في العمق

في العمق
د. هاشم غرايبه

الكل مجمعون على أن #واقع #الأمة الحالي مقلق الى أبعد الحدود، فرغم أنها تقطن المنطقة الاستراتيجية الأهم في #العالم، ومواردها الطبيعية هي الأغنى، إلا أنها لم تنعم بأية فترة استقرار طوال القرن المنصرم، مما عطل أية مشاريع تنموية تحقق ازدهار شعوبها، ورفعة شأنها، مثلما حققته كل الأمم الأخرى خلال هذه الفترة.
غني عن التذكير بأن سبب هذا القصور ليس ذاتيا وإنما هو بفعل فاعل، وهذا الفاعل ليس مبنيا على المجهول بل معلن واضح وهو #الغرب_الاستعماري، ونواياه صريحة وهو ابقاء الأمة ومقدراتها تحت هيمنته.
السؤال المحرج: هل هنالك ما يجبر أية أمة على الرضوخ والانصياع لهذا الهوان؟.
لطالما تعرضت كثير من الأمم لمثل ذلك التآمر من الطامعين فيها، لكنها كانت تتجاوز ذلك فتنهض مما أحاق بها، عندما يضطلع مخلص منها بمهمة إنقاذها، فيقودها الى بر الأمان.
لكن لماذا لم يحدث مثل ذلك لأمتنا؟ هل هي حقاً تفتقر الى الزعماء المخلصين!؟.
بالطبع ذلك غير منطقي، ففي كل أمة رجالها، إذاً فالتفسير هو أن هؤلاء ضلوا السبيل، فبدلا من اتباع الوسيلة التي تؤدي الى الارتقاء، اتبعوا سبيلا أدى الى مزيد من الخذلان للأمة، بل أوصلوها الى الحضيض بين الأمم.
لنعد الى بداية ما أطلق عليه مرحلة التحرر الوطني، والتي أطلقت على المرحلة الإنتقالية بين خضوع الأمة لسلطة الدولة العثمانية وخضوعها لسلطة أنظمة (سايكس – بيكو)، ولندقق في ما قام به المخلصون الساعون الى نهضة الأمة، لنستكشف أين كانت الأخطاء.
الخطأ الأول الذي وقعت فيه النخب القيادية (الزعامات)، هو في تعميم مصطلح (المد القومي)، لوصف تلك الفترة زيادة في التضليل، وذلك لدغدغة مشاعر الشعوب العربية التي كانت تعاني من استبداد السلطة العثمانية التي كانت في سنواتها الأخيرة واقعة تحت سيطرة (جمعية الاتحاد والترقي) التي ثبت أنها صنيعة المخابرات البريطانية، لهذا فقد اعتقدت الشعوب أن القومية العربية هي المخلص لها.
الخطأ الثاني كان في تسمية تلك المرحلة والتي شهدت خروج قوات الإستعمار الأوروبي العسكرية من تلك الأقطار، وتسليم قيادتها الى زعماء محليين، بالتحرر الوطني، وهي تسمية مغايرة للحقيقة، بدليل أنه لم تخرج تلك القوات من أي قطر عن اندحار عسكري، ولا إثر هزيمة أحاقت بها، بل طواعية، ووفق حسابات أمّنت تحقيق الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية للقوى المستعمرة، وبلا خسائر بشرية تتكبدها، وتمثل ذلك بتقييد النظام الحاكم بجملة شروط أهمها منع عودة الدولة إسلامية من جديد، وأوضح مثال حديث كان خروج الأمريكان من العراق، بعدما ضمن “برايمر” نظاما سياسيا يلبي ذلك المتطلب.
الخطأ الثالث: وهو امتداد ونتيجة مباشرة للسابقين، فرغم أن جميع من ينظر إليهم كزعامات وطنية يوقنون بأن الأمة العربية مجردة من عقيدتها الإسلامية تفقد عنصر تميزها، إلا انهم عندما أحسوا أن الغرب لن يسمح بعودة الدولة العربية الإسلامية الموحدة، وقعوا في خطيئة الرهان على بدائل للإسلام تطمئن الغرب المهيمن، وتتيح لهم التقدم بأقطارهم من غير إثارة فزعه.
في هذا المنهج رأينا تجربتين، وهما تجربة عبد الناصر وتجربة صدام حسين.
في الأولى بدأ عبد الناصر أولا بطمأنة الغرب إلى بعده عن الإسلام، فبطش بشركائه الإسلاميين في الثورة، ثم أعلن عن اتباعه منهجا بديلا للإسلام هو الاشتراكية، ورغم ذلك لم يطمئن الغرب بسبب تصاعد شعبيته عربيا، فخاف من أن يؤدي ذلك الى وحدة الأقطار العربية، فشاغله عن السير بمشروعه بعملائه من الأنظمة العربية، وباختراقه للمخابرات المصرية وقادة جيشها، وبحرب حزيران، وعندما أحست أنه ربما يكون عرف خطأه وأراد التصحيح، قامت باغتياله.
والتجربة الثانية كانت لصدام، وماثل ما اتبعه عبد الناصر، وعندما اقترب من بناء قوة اقتصادية عسكرية واعدة، شاغله الغرب بحرب عبثية مع إيران أولا، بتحريض من الأنظمة العربية العميلة، وبعدها بحرب ثانية قضت على كل انجازاته، وعندما رأت أنه عرف أن مكمن خطئه هو تنكبه لمنهج الله، قامت بالقضاء عليه واحتلال العراق.
نستخلص مما سبق أمران:
1 – النهضة عربيا لن تنجح بالمراهنة على دعم القوى الكبرى، بل بالاعتماد على المنهج ذاته الذي يحاول الطامعون حرفنا عنه.
2 – لا تتحقق زعامة الأمة لشخص والتفاف حوله بالوعود المعسولة، بل باتباعه ما يوافق منهجها.
وما عدا ذلك سراب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى