سياسة الضرب ع القفا! / سلمان إسماعيل

سياسة الضرب ع القفا!

قبل أيام، اقتحمت قوات الأمن (دون إنذار مسبق) وبعد وعود زائفة من المحافظ ونواب الدائرة، نجع «أبوعصبة» المتاخم لطريق الكباش الأثري بمحافظة الأقصر، وضربت القوات حصارًا على النجع، وبدأت في عملية إزالته، والتي عَرفتُ فيما بعد أنها بتعليمات سيادية عليا.. الأهالي، ومعهم كل الحق، كانوا قد رفضوا الخروج من بيوت آبائهم وأجدادهم لأن الدولة خصصت لهم مبلغًا زهيدًا كتعويض عن اجتثاثهم من جذورهم، بلغ 2000 جنيهًا مصريًا فقط للمتر الواحد، (نحو 121 دولارًا أمريكيًا) حسب سعر الصرف هذه الأيام.

في الحقيقة لا أدرى من صاحب المصلحة في خلق عداوات جديدة بين الدولة والمواطنين، ومن المستفيد من وراء حجم المظلوميات المتزايد خلال السنوات الـ10 الماضية بحق المصريين، وبأي حق تتخذ الدولة قرارها بسلب الناس بيوتهم، حتى إن كانت النوايا سليمة، وإن كان المُعلن أن كل هذه القرارات المفاجئة تُتخذ من أجل تطوير ورفاهية حياة الناس.

حينما أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، توسعة المسجد النبوي، وطلب من العباس بن عبدالمطلب، وهو عم رسول الإسلام، أن يضم بيته إلى المسجد، رفض العباس أن يبيع الدار أو أن ينتقل إلى دار تبنيها الدولة.

واستقر الرجلان على اللجوء للقضاء، فما كان من القاضي إلا أن حكم لصالح صاحب البيت، لأنه لا يجوز نزع الملكية دون رضا صاحبها، الأمر الذي دفع العباس للتنازل طوعًا، بعد سماع الحكم؛ حتى لا تؤخذ الدار قسرًا أو قهرًا.

أسوق هذا المثال للتأكيد أن على الدولة وقف القرار رقم 20 لسنة 2018، الصادر من رئيس مجلس الوزراء بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق التي ورثها سكانها عن أسلافهم، أو على الأقل، إعادة النظر في وضع أهالي الجزيرة بعد التطوير.

البناء على أنقاض الفقراء ليس إنجازًا تتباهى به الدولة، ويكفي أن يكون لدينا «نوبة» واحدة، و«مثلث ماسبيرو» واحد.. إن الأمر جد خطير على السلام الاجتماعي.. فالفلاح أكثر من يدرك أهمية الأرض، وهي تمثل له الشرف والعزة، فكيف ننتزعه من ملكه الفسيح إلى مسكن لا يعرفه ولم يعتد عليه، -أيًا كانت مساحته- وأنا على يقين أن فلاحي مصر يمتلكون من الوعي ما يفتقر إليه عدد لا بأس به من الوزراء في حكوماتنا المتعاقبة.

الدولة تُعمر الصحراء بإنشاء مجتمعات عمرانية ومدن جديدة لا يغفلها إلا أعمى، هذا أمر نفتخر ونعتز به ونشجع عليه، لكن المرفوض هو الإخلاء القسري للسكان، أو عدم تعويضهم بشكل عادل حال موافقتهم على الانتقال.

لا يمكن توسعة الحرم بأراضي منزوعة من فلاحي الوراق! كما لا يمكن تنشيط السياحة بهدم منازل المدنيين دون توفير بديل يتناسب مع حجم التضحية التي يقدموها، فترك البيوت ليس بالأمر الهين على صعايدة وفلاحي مصر. إن اتباع سياسة الغصب مع المصريين لن تؤدي إلا لنتائج عكسية تتحمل مسئوليتها الدولة وحدها. ومن غير المقبول أن تصدعنا هذه الحكومة كمن سبقوها ومن سيلحقونها بشعارات الحكم الرشيد وهي أبعد ما تكون عنه.

مثالٌ آخر على عدم اكتراث الحكومة الذي سيودي بها إلى مزبلة التاريخ (كمن سبقوها)، هو تعاملها مع التقرير الأخير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي تحظى بمصداقية عالمية، عن الأوضاع في سيناء، فبدلًا من فتح تحقيق مستقل لتفنيد مزاعم المنظمة حول انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب على الإرهاب في شمال سيناء، يخرج علينا نفس الأشخاص بنفس التصريحات التي تكيل السباب والشتائم لمثل هذه المنظمات.

إن كانت الحكومة لا تدرك أهمية وآليات التعاطي مع هذه التقارير فنحن نتعامل مع مجموعة من المسئولين عديمي الخبر والكفاءة، وإن كانت تدرك و تتعامل بنفس الطريقة، فهذه جريمة، وفي كل الأحوال، فإنها تُضر بسمعة مصر الدولية، وكما كان يقول فلاح قريتنا الفصيح المدعو «أبوالدهب»: «يارب قعِّدني مع ناس تكون بتفهم.»

Salman.mohamed67@yahoo.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى