دوائر التعصب الأعمى

#دوائر_التعصب_الأعمى / #يوسف_غيشان

من ثقافتي التلفزيونية المسطحة تلك تعلمت الكثير عمّا يسمونة، في أفلام الأكشن بالقاتل المتسلسل، وهو قاتل يشعر بالمتعة خلال اقتراف جريمته الأولى، فيشرع في اقتراف جرائم مشابهة تحمل نمطا معينا ومحددا، كأن يقتل الشقراوات اللواتي يشبهن أمه مثلا، أو يقتل فتيات الشارع، او المشردين، طبعا – حسب الأفلام-كان المحققون يتوصلون اليه، فيقتلونه أو يعتقلونه.

في الكثير من تلك المسلسلات، كان القاتل يشعر بوخز الضمير، لكنه يعجز عن منع نفسه من القتل، لذلك كان يوصل إشارات لا شعورية (أو شعورية) للمحققين، من أجل مساعدتهم على القبض عليه، ومنعه من اقتراف جريمته التالية، لا بل أن بعض هؤلاء كانوا يكتبون رسائل واضحة ومباشرة، يتركونها خلفهم، في موقع الجريمة، ترجو من المحقق أن يقبض عليهم كأن يكتب القاتل على المرآة، بدم الضحية، (أرجوكم اردعوني).

كل مقدمة إبن خلدون هذه من أجل أن اقول لكم بأن هناك ما يسمى ب (التعصب المتسلسل) وهو يشابه إلى حد كبير القتل المتسلسل، لا بل هو أسوأ منه بكثير، لأنه يؤذي المجتمع بأكمله، ويمتد أذاه عبر الأجيال، وليس فقط إلى عدة أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة والنصف.

سبب اهتمامي بالتعصب المتسلسل هذا أننا نحن، أبناء الضاد وأخواتها، نعاني، بشكل شبه جماعي من هذا التعصب المتسلسل، ونتقاسم الأدوار فيه جميعا ..بين المجرم والضحية ، وأحيانا نتبادل هذه الأدوار، دون أي إحساس بالغرابة أو حتى بالظلم.

أول تعصباتنا تكون في مجال الجنس، حيث يتعصب الرجل ضد المرأة ويعتبرها كائنا دونيا، لكنه لا يتورع عن التغزل بها وتحويلها إلى كائن محيّر بين الملائكة والبشر، وبعد أن ينال مراده منها يعيدها الى أسفل سافلين، دون أي إحساس بوخز ضمير أو بنكرياس.

ثم تكرّ لائحة التعصبات في متوالية مجنونة لا تبقي ولا تذر شيئا من الدولة المدنية، فنتعصب أولا للعائلة، ثم للحمولة، ثم للفخ، ثم للمحافظة،ثم للإتجاه، ثم نتعصب للدولة ثم للعروبة ثم للدين، من خلال نظرة دونية قاتلة للآخرين .

في الواقع فإن لدى جميع شعوب العالم دوائر تعصبهم ، لكننا نأخد دوائر تعصبنا بجدية وإنفعالية ، ونحن على استعداد للقتل- بدون تفكير- في سبيل أي دائرة من هذه الدوائر.

ولا يسبقنا في دوائر التعصب تلك، سوى اليهود الصهاينة ، وهؤلاء ليسوا مقياسا للشعوب الحقّة.

استطاعوا أن يسرقوا أرضنا ويبنوا عليها دولة علمانية مدنية ديمقراطية (لليهود فقط) تتعايش مع تعصبهم وعدوانيتهم واستعلائيتهم.

أما نحن فإن سلسلة تعصباتنا المتسلسة تلك تضرب في عصب الدولة المدنية، فالمتدين – حتى المتدين-يعود لتعصباته الدنيا عند أول تجربة، وكذلك يفعل القومي والشيوعي والعلماني والليبرالي.

وليس آخرا

سنفشل دوما في بناء الدولة المدنية، ما دمنا عبيدا لتعصبنا المتسلسل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى