
#المشروع_الوطني_الأردني: خارطة طريق لمستقبل الدولة
الشاعر #أحمد_طناش_شطناوي
رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين/ إربد
في ظل التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة العربية، ومع تصاعد التحديات الإقليمية والدولية، أصبح من الضروري أن نؤسس لمفهوم “المشروع الوطني الأردني” كإطار استراتيجي يحدد معالم المستقبل السياسي والاقتصادي والثقافي للدولة الأردنية، فهذا المشروع ليس مجرد رد فعل على الأوضاع الراهنة، بل هو رؤية متكاملة تسعى إلى تعزيز الهوية الوطنية في إطارها العربي، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وترسيخ السيادة السياسية، في مواجهة المشاريع الخارجية التي تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالحها الخاصة، وعلى رأسها المشروع الغربي والمشروع الصهيوني، اللذان يفرضان تهديدًا وجوديًا على الأمة العربية عمومًا، وعلى الأردن بشكل خاص.
فلا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون وجود قاعدة ثقافية صلبة، إذ أن الثقافة ليست ترفًا فكريًا، بل هي العمود الفقري للهوية الوطنية والمجتمعية، والمشروع الثقافي الأردني يتطلب إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية بوصفها جزءًا أساسيًا من تكوين الأردن التاريخي والحضاري، مع الانفتاح على الحداثة بصورة متوازنة لا تذيب الخصوصية الثقافية لصالح العولمة الموجهة.
إن ملامح هذا المشروع تقتضي تعزيز دور المؤسسات الثقافية، وتطوير مناهج التعليم لتغرس في الأجيال القادمة قيم الانتماء والوعي بالتحديات التي تواجه الأمة، مع التركيز على استعادة الدور الريادي للإعلام الوطني في توجيه الرأي العام، بعيدًا عن الهيمنة الإعلامية الغربية التي تروج لثقافات الاستهلاك والتفكيك الاجتماعي، كما أن دعم الفنون والأدب والفكر النقدي، وإحياء دور المثقفين في رسم السياسات الثقافية، وتفعيل دورهم في رسم الأطر العامة لسياسات الدولة، يشكل ركيزة في هذا المشروع الذي يسعى إلى مواجهة محاولات الاختراق الفكري والثقافي والسياسي التي تستهدف الهوية الوطنية الأردنية.
وأما في الإطار الاقتصادي، فإن الاقتصاد يشكل الركيزة الثانية للمشروع الوطني الأردني، إذ لا يمكن لدولة أن تحقق سيادتها السياسية دون أن تمتلك اقتصادًا قويًا ومستقلًا، ومن هنا يتوجب على الدولة بناء اقتصاد يعتمد على الإنتاج بدلًا من الاستهلاك، ويقلل من التبعية للمساعدات الخارجية التي كثيرًا ما تكون وسيلة للضغط السياسي.
وفي هذا السياق، فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية، مثل الزراعة والصناعات التحويلية، يعدّ من الأولويات، كما أن التحول نحو الاقتصاد المعرفي والاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الصناعي من شأنه أن يعزز قدرة الأردن على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية، ومن المؤكد أن تطوير البنية التحتية الرقمية، ودعم المشاريع الريادية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية العربية، يمكن أن يضع الأردن في موقع استراتيجي يمكنه من تجاوز الضغوط الاقتصادية التي تمارس عليه من قبل القوى الخارجية.
وفي هذا الإطار، لا بد من إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية، والتي غالبًا ما تأتي على حساب الطبقات الوسطى والفقيرة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي، لذا فإن تعزيز دور الدولة في ضبط الأسواق، ووضع سياسات مالية تراعي العدالة الاجتماعية، يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من هذا المشروع.
وأما على المستوى السياسي، فإن المشروع الوطني الأردني يتطلب إعادة صياغة مفهوم السيادة الوطنية في ظل الضغوط المتزايدة التي تمارسها القوى الإقليمية والدولية، فمن الواضح أن الأردن يقف في قلب صراع استراتيجي بين مشاريع إقليمية متنافسة، المشروع الغربي الذي يسعى إلى فرض نموذج الهيمنة الاقتصادية والثقافية، والمشروع الصهيوني الذي لا يهدد فلسطين فقط، بل يمتد ليشمل الأردن من خلال أجندات التوسع والاحتواء السياسي، وصولًا إلى مشروع “الوطن البديل” الذي يُستخدم كأداة ضغط في سياقات تفاوضية دولية.
إن المشروع السياسي الأردني يجب أن يرتكز على تعزيز القرار السيادي الوطني، وعدم الخضوع للإملاءات الخارجية التي تهدد المصالح الأردنية العليا، ويتطلب ذلك تنويع العلاقات الخارجية، بحيث لا يكون الأردن مرتهنًا لطرف واحد، بل يمتلك خيارات استراتيجية تضمن له حرية الحركة في السياسة الدولية.
ومن ناحية أخرى، فإن المشروع السياسي يجب أن يعزز الجبهة الداخلية من خلال تطوير نظام سياسي أكثر ديمقراطية وتمثيلًا، ويبرز دور البرلمان الحقيقي في التشريع والرقابة، لضمان مشاركة المواطنين في صناعة القرار، مما يعزز شرعية الدولة ويمنحها قوة تفاوضية أكبر في علاقاتها الخارجية.
وفي ظل هذه التحديات، لا يمكن للأردن أن يبقى متفرجًا على ما يجري من حوله، بل يجب أن يكون فاعلًا رئيسيًا في رسم مستقبله، فالمشروع الغربي يسعى إلى فرض أجندات تخدم مصالحه دون الاكتراث بمصالح الشعوب، والمشروع الصهيوني يعمل على تفكيك الهوية العربية وإعادة هندسة المنطقة وفق تصورات استعمارية جديدة، أما الأردن فيحتاج إلى مشروعه الوطني الخاص الذي يجمع بين الهوية والاستقلال الاقتصادي والسيادة السياسية، ليكون قادرًا على الصمود في وجه هذه المخاطر.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن ترجمة هذا المشروع الوطني إلى سياسات عملية تنقل الأردن إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار؟ وهل نحن قادرون على تحويل الطموحات إلى استراتيجيات فعلية تحمي الأردن من التحديات المحدقة به؟ هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الدولة الأردنية في المرحلة القادمة.