المجال العام والدولة المدنية و إشكاليات القصور الذاتي التي تعاني منه احزابنا السياسية / د حذيفة المشاقبة

المجال العام والدولة المدنية و إشكاليات القصور الذاتي التي تعاني منه احزابنا السياسية

د حذيفة المشاقبة

ظهر مصطلح المجال العمومي في مقالة كانط الشهيره ما هو التنوير؟ في هذا المقال تظهر ولأول مرة عبارة “المجال العام” ولكن بداية نبدأ بتعريف التنوير نفسه، فقد عرّف كانط التنوير بأنه هجرة الإنسان من القصور والذي يرجع إلى الإنسان ذاته، والقصور هو عجز الإنسان عن الإفادة من عقله دون معونة من الآخرين. هذا القصور سببه الإنسان ذاته، فهو لا يعود إلى قصور في الفهم أو العقل، ولكنه نقص في الإرادة وفي الجرأة في استخدام العقل دون الاعتماد على أحد. إن شعار التنوير هو ببساطة: كن جريئًا في استخدام عقلك. وبالتالي يستطيع الفرد أن يتحرر من الوصاية ويصبح متنورًا بالجرأة على التفكير واستخدام العقل. ثم يكمل كانط فكرته عن التنوير بأنه يمكن أيضا للجمهور – المكون من مجموعة من الأفراد في النهاية- أن يستنير طالما أنه حر، لكن لا يمكن للجمهور أن يبلغ التنوير بنفس القدر من السرعة التي تحدث للفرد.

ومن أجل هذا التنوير، سواء للفرد أو للجمهور، يتطلب الأمر حرية “الاستعمال العمومي للعقل” في كل الميادين. في هذا السياق يُعتبر مفهوم “المجال العمومي” من مفاهيم القرن الثامن عشر، وكان يُقصد به مجموع الناس الذين يجتمعون في مكان عام. ثم عاد ليظهر المصطلح مرة أخرى في عام 1961 عندما أصدر هابرماس دراسته الرائدة والتي جاءت بعنوان “التحول البنيوي للمجال العام” ويقصد بالمجال العام في هذه الدراسة: الفضاء المستقل عن الأجهزة الإدارية للدولة ذات الطبيعة التدخلية، الانضباطية، والمستقل كذلك عن السيطرة العائلية وغيرها من أشكال الروابط الأخرى كالقبيلة والعشيرة.

مقالات ذات صلة

ويرى هابرماس أن هذا المجال العام بدأ في الظهور في القرن الثامن عشر تحديدًا بوصفه فضاء مستقلًا عن الدولة بمعناها الحديث ومجمل أجهزتها، بحيث يمكن للأشخاص أن يتواصلوا في هذا المجال فيما بينهم كمواطنين مستقلين وأحرار من أجل التداول والتفاهم حول الصالح العام.

وللاهتمام بالشأن العام، الذي تطور في العصر الحديث إلى مجال عام أوسع وأكثر تعقيدًا وتأثيرًا، فكانت هناك مناقشات تجري للأمور العامة في نوادي القراءة والصالونات. لكن أصبح المجال العمومي يناقش الأمور والقضايا السياسية التي كانت في الماضي أمورًا خاصة فقط بالدولة، كما أصبح على نحو ما شريكًا ومكملًا للدولة في النظام الديمقراطي وليس في مقابلها. وإذا عرفنا المجال العام بأنه هو المساحة أو الفضاء المدني العقلاني العام؛ فإن هذا الفضاء هو ساحة لصراع عدة أطراف وقوى داخل المجتمع، وهو أيضا ليس موزعًا بالعدل بين الفئات، ولا يمكننا تصوره كتعبير عن ثقلها العددي فقط، لكن كذلك ثقلها الرمزي والسلطوي والاقتصادي والتاريخي وغير ذلك. ويقدم المجال العام على هذا النحو وبهذا الفهم، للقوى الاجتماعية المتصارعة باختلاف أوزانها، أدوات سلمية وديمقراطية لإدارة صراعها. والمجال العام في أي مجتمع ينشأ ويتطور ويتسع ويضيق في سياق وظروف تاريخية، ويتم بناؤه وفق صراعات اجتماعية معينة، وبالتالي فإن فكرة المجال العام هي بالضرورة حدث تاريخي وليست مفهومًا متعاليًا معلقًا في الفراغ.

أخيرًا، إن المجال العام هو أساس المشاركة الديمقراطية في المجتمع الحديث، وهو الذي يؤدي إلى خلق حياة سياسية وحزبية ومواطنة وانتماء بالتعريف، فلا ديمقراطية بلا تعددية.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى