الـدخـل المحـدود و الحزام المـشـدود!!! / د .نـاصـر نـايــف الــبـزور

الـدخـل المحـدود و الحزام المـشـدود!!!
قبلَ بضعة أيَّام كُنتُ أتحدّث مع صديقي عايد، و هو أحد المُراسلين البُسطاء في أحد الدوائر الحكومية؛ و كان عايدنا في عجلة مِن أمره؛ و كانت السعادة الغامرة تَـلُـفُّ قَسَمات و تعابير وجهه؛ بل و كان كُلُّ سنتميتر في صفحة مُحيّاه يكادُ ينطلق بزغرودة مُدَويّة؛ فقادني الفضول أن أسأله عن سبب تلك البهجة الغامرة فأنا أراه بضع مرّات في كُل شهر و هو دائم الكآبة و كأنَّ الهمَّ و عايد صنوان لا يفترقان! فأجابني و أوتار “حناتشه” الصوتية بل و تراكيب النحو و الصرف لديه توشِكُ أن تخذله: “الررراتب بدِّددددي ألحَقه اليوم نزل يا دكتور”!!!

و للعلم و هذا قد لا يخفى على أحَـد، فإنَّ راتب هذا الإنسان البسيط كغيره من الغالبية العُظمى المسحوقة من الشعب الأردني لا يتجاوز المئتي دينار في أحسن الأحول! و هي في مُعظمها محجوزة للدائنين و أصحاب الحقوق في الحارة قبلَ أن يهنأ بها صديقي عايد أكثر من سويعات على النحو الآتي: مبلغ ثمانين ديناراً منها يذهب أجرة ثابتة لصاحب البيت البائس الذي “تكاد تسجدُ جُدرانه الخاشعة الراكعة” و الذي يسكنُه عايد و زوجته و ابناؤهم الخمسة منذ عقدين من الزمن؛ و ثلاثون دينار تطير خلال لحظات لسداد التزاماته في ثلاث جمعيات دائمة يشترك عايد بها و بمثلها منذ أن قَرَّرَ أن يتزوَّج قرينته أم صخر!

ونتيجة لسياسة إعادة الهيكلة و الجدولة، تتمُّ مصادرة أربعين ديناراً للبنك الدولي “الدكّنجي أبو عُمر” لسداد الديون الشهرية المتكرّرة على الدفتر من “رز، و سُكّر، و شاي، و صابون، و بندورة، و بندورة، و بندورة” و غيرها من الكماليات و الرفاهيات مثل الملفوف و البطاطا و الخس و الكوسا! أمّا باقي راتبه فلا داعي للحديث عن تفصيلاته بين فواتير ملابس لأبنائه، و مصروف مدارس، و فواتير كهرباء و ماء، و دُخّان، و الكثير من الالتزامات الاجتماعية مثل “فلانة ولدت” و “فلانة اتجوَّزت”، و “فلان اتخرّج من الجامعة”! وهذا يعني استمرارية الغرق الشهري لعايد في الديون حتّى تجاوز منسوب الديون حلمة أذنه، لكنَّ عايد ما زالَ صامداً و ما زال على قيد الحياة! فالدخل محدود، و العمر محدود و الأفُق مسدود و الحزام مشدودٌ مشدودٌ مشدود… يا و لدي!!!

و على طرف النقيض استمتعتُ قبل ذلك بيومٍ واحدٍ بحديث نجل أحد كبار الساسة في الأردن ممن شغلوا جميع المناصب العليا في الدولة تقريباً على مدار ما يزيد عن نصف قرن من الزمن: من مدير عام للإذاعة، إلى الملكيِّة الأردنية، إلى منصب سفير، إلى و زير، ثمَّ و زير، ثمَّ و زير، ثمَّ و زير ثمَّ عين، ثمَّ …. ثمَّ… ثمَّ… ثمَّ….! معالي الشاب المُكافح كان يتحدَّث عن مُعاناته عندما كان يدرس في أمريكا (أكيد على نفقة الدولة؛ مع أنّه لم يذكر ذلك لكنَّ هذا مفهوم)! فقد بَيَّنَ عطوفة الشاب المناضل للمشاهدين كيف كانت الحياة صعبة لانَّ “الدخل كان محدوداً” كما قال نصّاً!

مقالات ذات صلة

يا معالي ابن صاحب المعالي، عن أي “دخل محدود تتحدّث”؟ إذا كان دخلك محدوداً، فهل يُمكن لمعاليك أن تصف لنا “دخل صاحبنا عايد” في بضع كلمات أو أن تحترم عقولنا و مشاعرنا و تتوقّف عن الحديث عن قصصك مع الكفاح و المعاناة؛ فهذه قصص لا يعرفها و لا يشعر بها سوى من كابدها و كابدته!!! و كما قالَ أحَد أصحاب الدخل المحدود:

فما كُلُّ من ذاقَ الهوى عرفَ الهوى **** و ما كُلُّ من ذاق المُدام نديم

ولا كُـلُّ من طـلب الـسـعادة نـالـهـا **** ولا كُلُّ مـن قرأ الكتاب فهيمُ

و الله و تلولحي يا دالية!!! واللهُ أعْلَمُ وأحْكَم…!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. 47% من الشعب الاردني تحت خط الفقر وبدخول شهريه لا تكفيه لعشرة ايام من الشهر (كما نشرت ذلك احدى الفضائيات الاردنيه ) والباقي دخولهم تتأرجح ما بين الالفي دينار شهريا حتى تصل الى 40 الف دينار شهريا ومعظم هؤلاء ذوي الدخول العاليه لم يقدموا تلك الخدمات المميزه للاردن.لا دخلوا حربا ضد عدو ولا وضعوا برامج وخطط اقتصاديه لتحسين اوضاع الشعب وكل ما عملوه ان ازدادت المديونيه على هذا الشعب الصابر حتى تجاوزت الثلاثين مليار دولار وهم الذين استأثروا بالقسط الاوفر من هذه المديونيه رواتب وامتيازات وسفرات وطلعات والى غير ذلك.والاردني المسكين الذي يعيش على اقل من مائتي دينار هو الذي سيتحمل سداد تلك المديونيه عاجلا ام اجلا .ويستغيث ولا هناك من مجيب الا الاف الهصات .هص لا حدا يسمعك

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى