الخديعة الكبرى – 6 / د . هاشم غرايبة

الخديعة الكبرى – 6
لقد أوردت في المقالة السابقة نزرا يسيرا من الأزمة الإقتصادية التي يعيشها العالم بسبب تبني الرأسمالية كخيار وحيد ، وسنتطرق فيما يلي الى معالم عامة للإقتصاد الإسلامي كبديل ، لكن قبل ذلك يقتضي التنويه الى أن هنالك مفهوم خاطيء يختزل المنهج الإقتصادي الإسلامي بالبنوك الإسلامية ، هذه البنوك هي جزء من منظومة الإقتصاد الرأسمالي ، ولو طبق النظام الإسلامي ستكون الصيغة مختلفة تماما .
وبالطبع لا يمكن تغطية الكثير في مقالة ، لكن يمكن الإشارة – كحد أدنى – الى الإختلاف بين المنهجين :
1 – هنالك تباين واسع في المرجعية ، فالرأسمالية تتبنى حرية التملك والتداول التجاري للشركات والأفراد الكاملة من غير تدخل من الدولة الا في حالة الأزمة ، ويبقى التدخل في الأدوات المالية مثل تخفيض سعر الفائدة لخفض التضخم أو شراء العملة المحلية لرفع قيمتها ..الخ .
في النظام الإسلامي : لا يمكن الفصل بين الشق السياسي والإقتصادي والإجتماعي فهذه مترابطة يعتمد بعضها على بعض ، ولا ينجح تطبيق جزء وترك آخر ، فالمرجعية للتملك حرة لكنها خاضعة للتشريعات الضابطة لمنع تراكم الثروات بيد قلة وعدم حرمان فئات وتركهم من غير مورد رزق.
2- فلسفة المال في الرأسمالية معتمدة على عدم التدخل في جمع المال وطرق الحصول عليه وأوجه إنفاقه طالما كان لا يخالف القانون ، في الإسلامي يعتبر المال رزقا من الله والناس مستخلفون فيه ، وبذلك فالناس مسؤولون عن هذا المال، كسباً وإنفاقاً، أمام الله في الآخرة، وأمام الناس في الدنيا، فلا يجوز أن يكتسب المال من معصية، أو ينفق في حرام، ولا فيما يضر الناس.
3 – عند حصول تضارب بين المصلحة الفردية والجماعية كأن يقوم توافق بين منتجي سلعة معينة برفع سعرها : في الرأسمالية لا تتدخل الدولة ،في الإسلامية يتم الأخذ بالمصلحتين معا وعدم إغفال إحداهما، لأن الفرد والجماعة ليسا خصمين، وعند تعذر التوفيق بينهما تغلب مصلحة الجماعة.
4 – الرقابة على العمليات التجارية والإستثمارية في الرأسمالية محددة بأدوات السلطة التنفيذية ليس هنالك أي وازع أخلاقي أو قيمي ، في الإسلامي هنالك ضابط ذاتي داخلي هو التقوى والذي يعني التزاما طوعيا بعمل الخير وتطبيق مبدأ الحلال والحرام الصارم على كل الإجراءات والتعاملات ، وبالطبع فالرقابة الذاتية أقوى كثيرا من رقابة القانون الذي يمكن التحايل عليه ، لكن كيف يمكن التملص من الرقابة الإلهية ؟.
ننتقل الآن الى التفصيلات التطبيقية والتي ستتضمن :
الدور الإقتصادي للدولة والأفراد ، والأدوات المالية والإستثمارية الشرعية ، والنقد والتداول المصرفي.
في الدور الإقتصادي للدولة لنبدأ أولا بواجبات الدولة :
1 – الملكية العامة وتوكل الى الدولة ، وتتضمن عناصر الملكية المشاعية الثلاث : الماء والكلآ والنار ، أي المصادر الطبيعية والمراعي والأحراج الطبييعة ومصادر الطاقة ، هذه جميعا تدخل في الملكية العامة للدولة وهي التي تتولى التصرف فيها وفقا للمصلحة العامة وحاجة المواطنين ، ونسنتج أن الدولة مكلفة بتوفير هذه العناصر وتنظيم الإستفادة للمواطنين بلا تمييز وبغض النظر عن كثرة التوفر أو قلته، ويشمل ذلك إضافة الى ما توفره الدولة الرأسمالية الحالية ، من توفير فرص العمل لجميع المواطنين سواء استلزم توفير ذلك مباشرة أو تحفيز قيام المشاريع الخاصة وتوفير البنى التحتية والمرافق العامة مثل الطرق والجسور والسدود والخدمات العامة والتعليمية والطبية والأمن …الخ.
2 – الرقابة على مدى تطابق النشاطات العامة للأفراد والجماعات مع الشرع .
وسنكمل غدا بعون الله تعالى .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى