تحت الضوء

تحت الضوء
د. هاشم غرايبه

في خضم الصراع بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، وخلال مسرحية الدمى (الديمقراطية) المضحكة، تجري مباريات كسب النقاط.
ورغم أن نسبة اليهود في أمريكا لا تزيد عن نسبة المسلمين عدديا، إلا أن تأثيرهم الفعلي لا يمكن مقارنته بتأثير المسلمين، فلديهم النفوذ الطاغي في الإعلام والمال والسياسة، لذلك لا أحد من المرشحين يهتم بخطب ود المسلمين، أو يقدم الوعود لتحقيق مطالبهم، فالمرشحان المتنافسان يدركان أن من يحوز على تأييد اليهود هو الفائز، وليس المقنع بالأداء.
آخر النقاط التي سعى “ترامب” لتحقيقها هي الإتفاقية الغريبة التي عقدت بين صربيا وكوسوفو.
أوجه الغرابة فيها كثيرة، أولها أنها وُقعت في واشنطن، بعيدا جدا عن منطقة التفاوض، وثانيها أن حضورها كان مقتصرا على أربعة أطراف: ترامب ورئيسي صربيا كوسوفو بأشخاصهم، ونتنياهو من الكيان اللقيط عبر وسائل الإتصال، والذي اعتبر ضيف شرف!..
وجود الأطراف الثلاثة مفهوم، لكن ما علاقة الكيان اللقيط بهذا الموضوع؟، وهل له دور حقيقي في الصراع التاريخي بين الصرب والكوسوفويين الألبان؟.
لنبحث في أساس هذا الصراع وتاريخه.
تعود جذوره الى أربعة قرون، حيما انتشر الإسلام في دول البلقان، ليس ذلك بسبب التفوق العسكري للدولة العثمانية، بل بالاقتناع الشعبي بالدين، الذي عرف شعبيا من خلال “إيواز دادا” الداعية المسلم الذي ظهر قبل نصف قرن من الفتوحات العثمانية، واحبه الناس فأحبوا الإسلام من خلاله واعتنقوه، وما زال الشعب البوسني يحتفل بذكراه سنويا، في مهرجان هو الأهم، وهذا العام صادف الإحتفال بالذكرى ال 510.
دخل الإسلام رسميا الى ألبانيا زمن العثمانيين، وككل الشعوب التي دخلت الإسلام، اندمجت فورا في الدولة الإسلامية، لأن الإسلام يساوي بين الناس، وهو العقيدة الوحيدة التي ثبت أنها تتجاوز الأعراق والألوان والقوميات، وتجعل البشر إخوانا متحابين.
لذلك وخلال فترة الدولة العثمانية التحق كثير من الألبان في سلك الدولة، ونبغ منهم القادة والوزراء والكتاب والصدور العظام، الذين أثروا الحياة العامة، وساهموا مساهمة فعالة، في إدارة دفة الدولة العثمانية سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وعسكريا، ومنهم محمد علي باشا وغيره كثيرون ممن كان لهم دور سياسي هام.
ومثلما فعلت بريطانيا مع العرب، كذلك كانت مع الألبان، بعد إذ وجدت أن تعزيز النعرات القومية خير وسيلة لتفتيت الدولة الإسلامية، فتشكلت رابطة “بريزرن” القومية عام 1878 للمطالبة باستقلال ألبانيا.
لكن بعد هزيمة الدولة العثمانية عام 1912 وانسحاب جيوشها من ألبانيا، حدثت الأمور بالصورة ذاتها التي حدثت في المنطقة العربية، إذ شعر القوميون بالخديعة، بعد أن اكتشفوا أن الأوروبيون وجدوا ان خير وسيلة لمحاربة الإسلام في ألبانيا تقسيمها، فاقتطعت 70 % منها اجزاء ضمتها الى الدول المسيحية المجاورة وهي صربيا، واليونان، ومقدونيا، والجبل الأسود بما فيها قاطنيها المسلمين، لكي يصبحوا أقليات مضطهدة في تلك الدول.
هكذا نشأت قضية كوسوفو التي كانت أصلا جزءا من ألبانيا، وقد ضمت الى صربيا، لكن سكانها رفضوا التنصير وبقوا على إسلامهم، رغم ضمها الى الإتحاد اليوغسلافي.
وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي تفكك أيضا اليوغسلافي، فسارع الأوروبيون الى دعم الصرب ومنع الجمهوريات ذات الأغلبية الإسلامية من الإستقلال كالبوسنة والهرسك، أما كوسوفو فظل الصرب يعتبرونها أرضا موروثة منذ الحرب العالمية الأولى، فيما أهلها المسلمون الذين يبلغون 97 % من السكان يعتبرون انتماءهم الى الأمة الألبانية، التي قسمت في الفترة ذاتها التي قسمت الأمة العربية، وللهدف ذاته، وهو منع تكون دولة إسلامية موحدة وقوية.
عودة الى الإتفاقية الموقعة في واشنطن، فهل هي حدث تاريخي يحل مشكلة كوسوفو كما ذكر “ترامب”!؟.
لقد عقب الرئيس الصربي فورا بالقول: سياسيا ما زال موقفنا كما هو (أي لا اعتراف بكوسوفو دولة مستقلة)، إذن ماذا كان الإنجاز؟
لم يكن غير موافقة الطرفين على إقامة علاقات تطبيعية مع الكيان اللقيط، والوعد بنقل سفارة كوسوفو فيه الى القدس، وتمتين العلاقات الصربية مع ذلك الكيان!.
هنا نكتشف الدور الرئيس للحكومة السرية التي تحكم العالم وتحرك خيوط السياسة لخدمة هذا الكيان الكريه!.
ومن هنا يمكننا فهم أنهم يفعلون كل ما يمكنهم لتمكين هذا الكيان ومنع زواله..ولا شك أن كل هذه الجهود الهائلة، لأنهم موقنون من حتمية زواله.
لذلك أصبح استحقاق وعد الله قائما، فقد بات الطغيان شاملا، وأصبح الطواغيت آلهة يُتّبعون، فيما الحق وأهله محاصرون من كل صوب.
الفجر على وشك الإنبلاج، لكنه بانتظار أن يصدع أهل الحق بأمر الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى