إليك في غيابكِ..

مقال الاثنين 21-3-2016
إليك في غيابكِ..
طيلة عشرة أعوام وهذه الحروف تتزيّن لك في عيدك..تمشّط بالشوق “شِعرها”، تزرع تنهيدات في “نثرها” ، تهرول الى حضنك..تحتمي بحصنك..ثم تغفو بين طيات يديك كزهرة برية في كفّ وطن..طيلة عشرة أعوام وأنا اكتب في عيدك شيئاً للحبّ ولقهوتك الصباحية ..أتوه كثيراً في اختيار “الافتتاحية”…وأحتار كثيراً في اختيار جمال “القفلة”، تماماً كما تحتار في العيد أي فستان ترتدي الطفلة …
عشرة أعوام ،وعندما اطمئن أن “مقالتي” صارت في عهدة الجريدة ، أمارس حيلتي الوحيدة، أغيب لأترك أحد أشقّائي يقرأ لك ما كتبت عنكِ فتفرحي…يا لسذاجتي كيف كنت أخجل من عينيها أثناء القراءة ، كيف كنت أخجل من صوتها الناعم كرذاذ المطر على النافذة ، ومن طربي الأزلي لــ”هاون” قهوتها…يا لسذاجتي لمَ كنت ادخر بوحي الكثير لها وأتنازل عنه بالإنابة … عشرة أعوام ومن يكتب الحرف يكتم الفرح…
**
منذ الصباح وأنا أتجاهل الرد على الهاتف ، أتجاهل الاستماع، أتجاهل القراءة ، أتجاهل البكاء ،أتجاهل الروزنامة ، أخاف ان افتح المذياع ..فتداهمني أغنية عنكِ..تذكرني ببيتنا الغربي ، بأمشاط العظم ، بشجرة الليمون الفتية ، بورق التوت الذي يملأ ساحة الدار وقت الخريف ، بحطب الطابون ، بنوّار الزيتون ، برائحة الرغيف ، تذكرني بهدايانا الطفولية،بأغانيك قبل النوم ،بكرسي العجين ،بقالب العيد برائحة الخشب المحترق ، بفرنك الدافىء .. تخيلي يا غالية صارت ترعبني أغنية “ستّ الحبايب”..و”يا موه” ..و” يا امي” التي كنت أبحث عنها بكل محطات الدنيا في سنوات غربتي..صار اللحن يهزمني، والشوق يؤلمني كلما تذكرت لحظات رحيلك..
ما زلت حاضرة بكل تفاصيلك، غرفتك العامرة ، وسائدك “الطرية”، تهجّد الليل، وكرسي الصلاة ،الساعة المتوقفة عند العاشرة ، وأدويتك منتهية الصلاحية منذ عامين ، ما زالت حاضرة كل تفاصيلك تسبّح كما كنت وتردد بعض تهاليلك..بالمناسبة أنت لم ترحلي ، أنت غيرت مكان الإقامة فقط..ما زلنا نتناوب في زيارة الضريح في كل مساء نحمل أوجاعنا وأكاليل أشواقنا ونسندها على تلك “النصيبة”، نقلم الشوق و الشوك والعشب كما كنا نقلّم أظافرك، وما زلت أعبّئ للعصافير العطشى إناء الماء تحت قدميك، أمشّط المدّيد واغصان “قطر الندى” النازلة كخصل الشيب من على الضريح..أزرع الورد الجميل احضره بطريقي من عمان ، فيسرقه العشاق في اليوم التالي..أراك تبتسمين لي وتقولين: ها هم الأموات يرعون الحب يا أحمد..قلت لك ، أنت لم ترحلي وانما غيرت مكان الإقامة فقط..ما زلتِ الملتقى ، والمرتقى..ما زلت مكان البوح ،ومستودع الأسرار..ما زلتِ حديقة المارجريت ،والعطرة،وقطر الندى والكاميليا واللوتس و”الليلك” والمحكمة ما زلت كل شيء..
اليوم في عيدك…سأتجرأ في بوحي هذه المرة ،بعد ان امسح بالدعاء جفنيك وامسد يدي على سجّادة “اهدابك” …اليوم سأقرأ سورة “الملك” أولاً ..وأقرأ “إليكِ في غيابك”..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫20 تعليقات

  1. ولقد هزمتني تلك الألحان من قبلك.. ولا نصر سيهزم تلك الهزيمة..!!

  2. استمطار الدموع ، هذا ما خطر في البال عند قراءة المقال ، في بيت العزاء اخرجت هاتفك لترينا صورتها فعلمت انني لست ضعيفا عندما كنت اتوارى عن الاولاد لكن عزائي لك ولنفسي ان الله قد منحنا لذة في الالم يفتقدها مئات الملايين من البشر

  3. لو النجمات تسكب نورها أماه شلالا كل حناجر الأطيار لو غنتك موالا
    لو الأنسام طافت في رحابك تنثر العطرا تحبس دمعنا كي لا بروضك نذبل الزهرا
    ما وفتك يا أماه ما وفتك مثقالا
    وترميني سهام الشوق تبكيني إذا ترمي فؤادا نبضه يشدو حنيني فاض يا أمي

    وتبتسمين رغم المر تحتسبينه أجرا إذا ما الصبر مل الصبر قلت له ألا صبرا
    حنانك إنها الأيام إن كادت لتنسينا طفولتنا مع الأحلام نورا ما خبا فينا

    دعيني ألثم الجنات تسكن تحت أقدامك وأشعل مقلتي شمعا تنيردروب أيامك
    وأحيا فيك عبدا ما يطيق لنفسه عتقا قربك جنتي أماه بعدك كان لي رقا

  4. ان تحس بوجع شخص اخر كانه وجعك ……ان تحس انه عندما يتكلم عن امه تحس كانها امك ……….ان تحس بدموع عينيه تسقط كما هي تسقط من عينك …..هنا يتشابه اعظم حب حب الام …… اللهم ارحم كل ام فاضت روحها الى بارئها وادخلها جنتك

  5. لا بوح يتملكني بعد كل هذا الرفيف … نسائم أحرفك حرّكت حقول الأقحوان في ربيع الذكرى فكان عبير .. وتنهيدة شوق .. ودمعة فراق … أبدعت ايها الرهيف

  6. أبكيتنا يا أستاذ أحمد ..
    رحمها الله رحمة واسعة تغنيها عن رحمة من سواه

  7. لقد كبرتُ يا أمي واكتشفت أن هذا العالم يكبر
    معي فهل أخيب ظنّك إذ أخبرك بأني سأبقى صغيراً مقارنة بكوكب لم يكن يوما يليقُ بك !

  8. وصفت غيابها فأبدعت…. غياب الأم هو الألم الذي لا يزول … ولا يفهمه إلا من فقد أمه….
    رحم الله والدتك ووالدتي وجميع الأمهات الغائبات الحاضرات…
    تبكيني دوما اغنية كاظم الساهر سلامي (سلامي على اللي خالي مكانه) لأن الأم والأب هما الوحيدان اللذان لا يملأ مكانهما أحد…
    الله يرحمهم

  9. اتدرون ماذا يعني غياب الأم ،أتدرون أي يتم أي أنقطاع ، أي ضياع !!
    صدر معرى من الأضلاع ، غصن تائه عصفت به الرياح ، اقتطعته عن الأصل فصار ضامرا هشا بلا رواء
    أمي لو كل نساء العالم شاخت تظلين صبية فقد رحلت و
    أنت في قمة العطاء وفي عز الجمال ….أمي ..لو أصبحت أما لعشرة أبناء فلن أرقى لقدميك ،،ولو تسليت بحب الناس جميعا ما سلوتك ..
    اشياؤك معالم، وأنفاسك عطور تستقر في كل جزء من فؤادي،وذكرياتك وجعي ،أمي مذ رحلت والأشياء ناقصة..روب تخرجي كان باهت اللون .زهوري ذابلة..وطرحة فرحي كانت تذكرني أكفانك …
    أمي الفرحة بعدك عاجزة والشوق اليك يستمر والحب كل الحب في الدنيا بك ابتدأ وأليك ينتهي ….
    أدعو ألاهي أن يرحمك أنت وكل الأمهات وأن يجمعنا بكن في مستقر رحمته وأن يصبرنا على الفراق ويجعل صبرنا في ميزان اعمالنا …..اللهم امييييين …

  10. ﻻ شيء في الدنيا كلها يساوي شعور اﻷم بأمومتها .. وكأنها تملكت الجنة عندما تحتضن أبناءها …آلمني جدا وأبكتني في هذاالصباح دموع إمرأة عاقر لم يكتب لها الله أن تكون أما ..فكلما سمعت لحنا أو أغنية عن اﻷم توارت عن العيون لتذرف دموعها بصمت .. بكيت وما زلت أبكي كلما ذكرت هروبها وأدعو الله أن يكافيء كل أم لم تكتمل أمومتها باﻻنجاب أن يدخلها الفردوس من أوسع أبوابه

  11. رحم الله والدتك ووالدتي وجميع اموات المسلمين (لم أقرأ بحياتي مقال عن الام بهذا الابداع)

  12. وجعك استاذ احمد يشبه كثيراً وجعي
    وفي ذلك قلت :
    اكتب حروفي من قهر مكبوت
    عمره عامين ولا هو بمنزاح
    الصدر ضاق واشوف القلب تابوت
    كفنت فيه احزاني والصمت ذباح

  13. رحمها الله رحمة واسعه هنيئاً لها فيك ( وولد صالح يدعو له ) زادك الله براً

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى