أهم معوقات الإبداع

أهم معوقات الإبداع
عبد اللطيف مهيوب العسلي

ولأن الإبداع أبرز سمة العقل وهو أعلا ما وصل إليه الرقي للعقل البشري , ولأن جميع الناس قد وهبهم الله عقلا ووجدانا وقدرات , فإن بإمكانهم استخدام ما وهبهم من ملكات ليمن عليهم بالمزيد , ولقد كان لهم في الأنبياء والمرسلين , مظهرا وقدوة حسنة , صحيح أن الوصول إلى رتبة التميز والإبداع ليس بالأمر السهل وهو صعب المنال “لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرى ” ,وكما يقول سبحانه : “وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم” , ولكن ذلك ليس مستحيلا , فانظر في نفسك وانظر يمينا وشمالا في من حولك علك ترى شعاع هذا الإبداع في نفسك وأولادك ,فاستنهض قائد العزم واقشع به العوارض واسلل سيف الحزم وقطع به العوائق التي تحول بينك وبينه
وإني لأرجو أن تكون هذه الأسطر حافزا لي ولك ولكل حاذق فقد ركزت فيها على سبع معوقات تبعا لرأي أستاذي المفكر العربي البروفيسور سيف العسلي حيث أرجع أهم هذه المعوقات إلى سبع
على نحو ما رتبناه ☆ . …..
ومن الأهمية بمكان- و قبل الدخول في التفاصيل – معرفة ما المقصود في الإبداع ?
وما المقصود بالعوائق ? .
لقد وردت عدد من التعاريف والمفاهيم للإبداع”1″ ويُمكِن تعريف الإبداع (باعتباره أسلوباً للحياة، بأنّه: قدرة الأفراد على تحقيق الذات، وقدرتهم على التعامل مع الآخرين، وعدم خوفهم من سخريتهم، إضافة إلى تمكُّنهم من الاستجابة للتحدِّيات والعقبات التي تُواجههم في الحياة، فالإبداع عبارة عن عمليّة ترتكز بشكل أساسيّ على عمل العقل البشريّ، مع وجود بيئة مناسبة، ومُشجِّعة، وسمات شخصيّة مُعَيَّنة؛ لإيجاد ناتج إبداعيّ مُستنِد إلى قدرات عقليّة مُحدَّدة.[2]
والمقصود بالمعوقات هنا هي العقبات التي تعترض نوع الإبداع الكامن في الفرد المبدع الذي تحول بينه وبين قدراته الإبداعية على إنتاج وابتكار أفكار جديدة ومفيدة , سواء كانت راجعه إلى الشخص نفسه أو راجعة إلى الآخرين .
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه والذي سأحول الإجابة عليه
” كيف نتخلص من هذه المعوقات ?”..
وعلى نحو مما ذكرنا فإن أول هذه المعوقات :
……….
1″ سقوط الهمة المعبر عنها بغياب الحسد .
من الممكن التعبير عن سقوط الهمة وانعدام المنافسة بمفهوم ” الحسد ” .
والمقصود به غياب الحسد الإيجاب إلى حد معين
فما من شك أن الحسد يخلق حافزا مهما تجعلك تسعى إلى المنافسة والوصول إلى المرتبة المتقدمة بأن لا يتقدم عليك أحد من قرنائك ولا ضير في ذلك أن تكون كقرنائك أو أحسن منهم فهذا الحسد إيجابي, ولكن الضرر الذي ينبغي توخي والحذر منه هو تجاوز هذا الحد إلى الحسد الشرير , الذي يتمنى الحاسد به زوال نعمة المحسود ,
وأكثر من ذلك أن يجهد الحاسد في تقليل عمل المحسود ويقف بكل ما أوتي من قوة ضده ويعرقل عمله .
من الطبيعي أن نبدأ كمقلدين من باب الحسد ومن منطلق التمثيل هذه المحاكة تكون جيدة وظاهرة طبيعية, فحين نشاهدها في أولادنا وتلامذتنا فلا نقمعها بل نوجهها ونرعاها حتى لا تتحول إلى مرض و لتكون مفيدة لهم وللأخرين …
فعلى سبيل المثال ما من سبيل لمن يعيش حياة التهميش والأمية والإحباط إلا أن يحسد قرناءه من المتعلمين والناجحين فينافسهم , وهذا حق مشروع .
فيلزمه أن يتشبه بالمتعلمين سواء من بيئته أو من غير بيئته فإن قتلت في طفلك هذه الروح قتلت موهبته وطموحه , وهي عملية معقدة فكيف نديرها بين أولادنا لنحافظ عليها بحدها الإيجابي المعبر عنه بالغبطة وروح المنافسة الشريفة ….
فأما أن ينتج من هذه الهمة المتولدة من الحسد المنافسة والإبداع بفضل تسيسنا لها ورعايتها كما يسيس الفارس جواده , وأما أن نطلق لها العنان فتتحول إلى مرض .
إذا الحسد يبدأ كظاهرة طبيعية فقد تموت أو تشجع وتنضبط إلى أن تتحول إلى الغبطة والمنافسة الإيجابية , أو في أسوأ الحالات تتحول إلى الحسد المذموم كما عبر الله عنه بقوله سبحانه وتعالى :
(( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) ) البقرة
وإن كانت حجية الآية السابقة تنصب على الحسد المذموم فإن الآية التالية تعبر عن الحسد الممدوح
قال تعالى :
( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38). )) آل عمران .
وما الفضائل إلا حد فاصل بين الجمود والتهور .
وما الكرم إلا حد فاصل بين البخل – أي عدم العطاء – والإسراف أي الزيادة في البسط و العطاء – ” فلا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا .” فكان الخلق الكريم الذي وجه القرآن به هو التوسط بين الإسراف والبخل .
فكيف نتقي شر الحسد ?
أكثر ما يقع في شر الحسد هم المميزون , فكيف ندرك هذه الحقيقة – أولا – لنعالجها ?
المميزون يحسدون أمثالهم , وفي نفس الوقت يحسدون منهم , فمن أطلق منهم العنان لنفسه حطم نفسه وحطم غيره .
الحسد آفات الناجحين المتميزين وهم أكثر وقوعا به ممن دونهم ,
ومع ذلك فإننا نستطيع أن ندير هذه العملية بتهذيب النفس وسموها والتزام الخلق الكريم المحمود حتى لا نضر أنفسنا والآخرين .
ويمكن الاستعانة على ذلك بطريقتين
الأولى : السعي الجاد لتحقيق الذات من خلال العمل الجاد والمثمر وتجاوز معوقات الإبداع.
الطريقة الثانية : نستعين بالله بالدعاء ونسأله من فضله خاصة فيما عز علينا طلبه , ودعت حاجتنا إليه , ولنا في الأنبياء أسوة حسنة ولا أدل من ذلك ما قصه لنا القرآن الكريم بقوله (( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5)يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) ).) علم عليه السلام أن من رزق مريم بدون واسطة سبب هو ربه فدعاء ربه بقوله ( ربي أني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا …) رغم كبر سنه ويأس زوجته .. ووجه الاستدلال أن الله يوجهنا أن نذكر هذه القصة حين يعز علينا حصول ما نطلبه فلا نحسد الأخرين فنلحق ضررا بهم وانفسنا بل نسأل الله من فضله كما سألوا .ج
ومن ناحية أخرى فإننا تستطيع أن نقلل من حسد الناس لنا , فليس من الضروري أن نقول كل ما نعرف وفي كل المواقف ومع كل الشرائح من الناس فلكل مقام مقال ,
إذا شعرت أن هناك من يحسدونك فقلل من المبالغة وأحسن الطرح ففوق كل ذي علم عليم ……
لكن شرط الا يتحول ذلك إلى الخوف فلا تقول شيئا …
فإذا تجاوزت هذه المشكلة أصبحت لديك أفكارا جديدة .
فأما أن تكبتها وأما أن تظهرها للأخرين وهنا تأتي العقبة الثانية …
وهي مرحلة مواجهة المجتمع. .

2 ” الخوف والخجل من مواجهة المجتمع :
المبدعون بطبيعة الحال يمتلكون أفكارا ومهارات مختلفة على ما هو سائد عند غيرهم , وبالتالي ما سيظهرونه أمام المجتمع ليس محل ترحيب وليس مسكوت عنه فلم يكن منسجما مع ما يعرفه المجتمع ويؤمن به بل في الغالب متمردا وخارجا عن مألوفاتهم , وعاداتهم, وتقاليدهم , فلقد مكثت أرى الكثير من المفكرين والعلماء المبدعين لسنوات محل سخرية من مجتمعاتهم , بل والأكثر من ذلك , وجهوا بكل قوة وتعرض أصحابها لأصناف من العقوبات والمحاكمات , فنظريات ” أينشتاين ” لم يسلم بها إلا بعد عشرين سنة من ظهورها …
فكيف يمكن التعامل مع المجتمع ?
لا شك أن الكثير من الأفكار والممارسات الإبداعية والنظريات قد ماتن ومات معها ذكر أصحابها , ولم يظهر منها سوى أعمال وأفكار الذين امتلكوا الإرادة القوية والإيمان القوي ممن لم تهزهم أو تثنيهم كل ما لقونه من الأذى , وإلى جانب ذلك تحلوا بالصبر والثقة , ولكن ليست كل الأفكار قد تقابل بالصد وإنما قد يكون ذلك بصفة مؤقتة وبعدها يظهر مناصرون ومتحمسون , ويظهر ايضا معادون ومثبطون ما يعني التسبب بظهور المعوق الثالث وهو التحجر وعدم الانفتاح .

3″ التحجر وعدم الانفتاح أمام الرأي الأخر …
المجاملة والنقد بعد قبول المجتمع لفكرة جديدة أو مذهب أو أي نوع من أنواع الابداعات العقلية والمبتكرة هي سمة هذه المرحلة بعد طرح الفكرة , فمن شأنها التسبب بظهور طائفتين :
طائفة المشجعين والمساندين , وهم بذلك أما أن يبالغوا بالثناء فيرفعون من شأن المبدع أكثر مما هو عليه ما يجعل المبدع يغتر ,
وبالمقابل تظهر طائفة أخرى جاهلة لما قام به المبدع والجاهل يعادي ما يجهل , أو حاسدة تبتغي هضم صاحبها , فيقللون منها وينزلونها إلى أضعف المستويات , وكل ذلك يترك أثرا لدى المبدع ما يجعله لا يقبل النقد , ففي حقيقة الأمر ليس كل ما يقال من ثناء مبالغا فيه كله صحيحا , وفي الوقت نفسه ليس كل ما نقدوه صحيحا ولا هو أيضا كله ينصب في دائرة الحسد والزيف .
ولكي ينظر بموضوعية , وحيادية يلزمه أن ينفتح على الآخرين فسيجد أن أشخاصا قد بالغوا , وأن من الطرف المعادي ليس كل كلامهم باطلا وهنا يتزن ويطور من أفكاره , وعليه ألا يتسرع فالوقت كفيل أما أن يقوي ما طرحه فيسنده , أو أنه يكتشف وجها من وجوه النقص فيعدل ويتلافى النقص أو أنه يتراجع بالكلية …
هذا ما يجعله يعد نفسه للتعامل مع نوع جديد من العقبات , وهو فقدان التوازن المتمثل بإنكار الذات أو رفعها فوق مستواها ويعطيها أكثر من حجمها وهو المعوق الرابع .

4″ سوء التقدير وغياب عنصر المبادرة والتوازن .
وينشأ ذلك أما من المثالية الزائدة وإنكار الذات وأما من الغرور ورفع النفس فوق مستواها ,
قد يكون إنكار الذات في جانب التصوف عملا مقبولا ومطلوبا خوفا من الغرور كما قالوا أرباب التربية ” فإن سئلت فقل لا علم عندي وكن بالجهل مستترا ” لكن ذلك تربية مخصوصة لمريد مخصوص . …وليست على عمومها .
ومن مظاهر هذه المثالية أن يفعل المبدع عملا جبارا ويتستر بغيره زهدا بالشهرة , وتصدير هذا العمل وظهره باسم شخصا أخر يجعله يضيع ويفقد حيويته , لأن المستعار لفكرة لن يحرص عليها ولن يطورها وكذلك من بدرت منه الفكرة قد تسبب بضياعها وموتها فقد تخل عنها .فتجنب الوقوع بمثل تلك التصرفات تصرف عقلاني راشد .
كما يلزمه في نفس الوقت أن ينتهز عنصر المبادرة , واغتنام الفرصة في وقتها فحسن التقدير مهم ,
أذكر على سبيل المثال ذات يوم سمعت سؤالا مباشرا من التلفزيون وعليه جائزة قيمة أي سفرية كان السؤال حول رقم أحد قرارات الأمم المتحدة المتعلق بالقضية الفلسطينية, ورغم أني أمتلكت الإجابة الصحيحة إلا أني خسرت الجائزة بسبب تأخري وترددي عن الاتصال وحين قررت الاتصال كان جواب القائم على تلقي الجواب إجابتك صحيحة ولم يجب أحد على السؤال لكن للأسف تأخرت دقيقتين في الرد عن الزمن المحدد ..
خلاصة القول أن الأفكار أشبه ما تكون بالأبناء الذي يحرص الأب عليهم ويتعهدهم ويأخذ بعنصر المبادرة بوقتها …..
إن انكار الذات أو السذاجة وعدم الجدية مخلة بالتوازن وبعيدة عن روح الحقيقة وبعيدة عن توصيف الواقع والموضوعية , ولا تقل ضرارا من ضرر الغرور وتزكية النفس .
الغرور وتزكية النفس تجعل من صاحبها بعيدا عن الموضوعية والحقيقة فمهما كان الشخص متميزا ومبدعا وعالما فلا يعني ذلك أنه امتلك الكمال وتنزه عن الخطأ وأنه على الصواب دائما ففوق كل ذي علم عليم , ومن رأى أن رأسه فوق الرؤوس فهو من حيث لا يعلم منكوس …
ولكن أنزل نفسك منزلتها بلا فرط ولا إفراط ثم لا تركن إلى الدعاة والراحة فيتسرب إليك الكسل ويغتالك بعد صعودك فتسقط من حيث لا تدري فالأخرون ينتظرون من المبدعين ما هو أكثر مما قد شاهدوه وسمعوه منهم وهذا هو المعوق الخامس الكسل .

5 ” الكسل :
عادة ما نبدأ متحمسين ثم يتسرب إلينا الكسل فكيف تتعامل مع الكسل ?
يقول الشاعر” الصفدي “في لاميته:
( الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَلِ
فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ .)
وتبرز ظاهرة الكسل من عاملين :
1″” عدم تنظيم الوقت والاستفادة منه ,
لأن الاستفادة من الوقت وعدم تضييعه أمر في غاية الأهمية لمن أراد التفوق والتميز إذ الوقت هو رأس ماله , فمن المعلوم أن للإنسان قدرة محدودة تتراوح ما بين 4 ساعات إلى 8ساعات في اليوم والليلة إذا استنفذها في يومه فيما لا فائدة منه لا يستطيع أن يعوضها مرة أخرى في نفس زمن اليوم والليلة , فلو قضاها – مثلا – بالتسلية أو مشاهدة كرة القدم أو مشاهدة التلفزيون والقصص , أو في التواصل الاجتماعي أو ما شابه ذلك … ظانا منه أنه سيعوض نفس الوقت بنشاط أخر مفيد فهو واهم فقد أستنفذ نشاطه اليومي المزمن ب 24 ساعة ,
ولكي لا تكون كسلا فاقض وقتك فيما يفيد , فبعد اسقاط 8 ساعات النوم عليك أن تعود نفسك على عمل 8 ساعت كحد أدنى وتذكر أنك تسعى للتميز مهما كانت الظروف فإن التميز يستدعي ذلك .
حتى في وقت فراغك اعمل وكأنك تمرن نفسك للاستعداد للعمل والتصبر على المكوث كل ساعات العمل دون ملل , كما يستعد اللاعبون للمباريات بدوام التمارين واللياقة وقس على ذلك .
المظهر الثاني من مظاهر الكسل التسويف والتأجيل …
فمن أراد أن يكون متميزا فلا بد أن ينجز عمله أولا بأول حتى لا تتراكم عليه الأعمال وترتبك عليه ويترتب على ذلك ضياع خطته وترتيبها ما يجعله يشعر باليأس وعدم الارتياح , ويفقده عنصر الإخلاص الذي يسببه الاضطراب , وكل ذلك غير مشجع له . ما يعني أنه قادم للتغيير في مشاعره وهذا يعني المعوق السادس .

6 ” تقلب المشاعر :
كيف تتعامل مع تقلب المشاعر ?
غالبا لا يكون ما ترجوه على ما يرام وفي متناول اليد لكنه بقليل من الجهد والصبر والإصرار ممكن الحصول عليه وليس مستحيلا وحصول الفشل بعد ذلك جائز , ولكنه لا يعني نهاية المطاف , بل تصحيح المسار والبدء بالنجاح هذا التصرف العقلاني الراشد ,
وبنفس القدر ثقافة النجاح لا يعني النجاح دائما ”
(( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) ))”3″
فلن يكون النجاح دائما هو حليفك , ومع ذلك فإن فشل المتميزين هو نجاح غيرهم من العامة لا يعني عدم نجاحهم أنهم سقطوا , ولكن ربما تأخروا قليلا عن الصف الأول كاستراحة المقاتل ورجعوا من الرقم واحد إلى الرقم الثاني من الممتاز إلى جيد جدا , وهكذا من المقدمة إلى ما دونها , فتتقلب مشاعره فإن استسلم للمشاعر المتقلبة تسبب على نفسه بالإحباط . فيدفعه إلى مزاولة العنف كي يفرض تفوقه بالقوة , إما مستعينا بما كسبه من تفوقه من المال , أو بما اكتسبه من علم وثقافة وجاه , وهذا عادة ما يسقط فيه رجال الأعمال وأصحاب الظهور والحكام حين تفشل خططهم و حين يقل أداءهم وهو المعوق السابع العنف
……..
7 ” العنف :
التعنيف والعنف له صور متعددة وهو مظهر من مظاهر التسلط والأنانية , ويرجع هنا إلى التراجع الذي اعترى المتميز بعد الصعود والتفوق وقد يكون بالإرهاب الفكري أو بالأنانية المفرطة والتكبر بالمال والقوة والجاه , والاستعانة بذوي النفوذ وهو تهور غير مبرر , ونكوص ينبغي أن يتخلص المتميزون منه ويوطنون أنفسهم على ما اكتسبوه من تفوق حقيقي بذلوا به جهودا مضنية , وأفنوا فيه أوقاتا ثمينة فالمحافظة على هذا الرصيد في غاية الأهمية فلو وقف المبدع عند ما قد أنجزه خير من السير في طريق مشبوهة يفرضها بالقوة والعنف .
ولله در القائل
(إنَّ الفتى من بماضي الحَزْمِ مُتَّصفٌ
وَمَا تعوّدَ نقصَ القولِ والعملِ
وَلاَ يقيمُ بأرضٍ طابَ مسكنُها
حتى يقدَّ أديمَ السَّهلِ والجَبَلِ

وَلاَ يضيعُ ساعاتِ الزَّمانِ فلنْ
يعودَ مَا فاتَ مِنْ أيامهِ الأولِ

وَلاَ يُراقِبُ إلاَّ مَنْ يُراقِبُهُ
وَلاَ يُصاحبُ إلاَّ كلَّ ذي نُبُلِ)*

ونعوذ بالله من الكفر بعد الإيمان ومن الشك بعد اليقين ومن الفقر بعد الغنى ومن الجهل بعد العلم .
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين فبلغنا منزلة الصالحين وجعلنا هادين ومهتدين ” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب لعالمين ” والحمد لله رب العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى .
………….

الهامش

“1 ” كما عرفه كما عرَّفه الباحث (جيلفورد) بأنّه: “سمات استعداديّة تضمّ الطلاقة، والمرونة، والإسهاب، والحساسيّة للمشكلات، وإعادة تعريف المُشكِلة، وإيضاحها)

[2] الباحثة منال حسن رمضان، إستراتيجيات التعلم النشط : التعلم النشط، ضبط الذات، التفكير الإيجابي … (الطبعة الأولى)، عمان-الأردن: شركة دار الأكاديميون للنشر والتوزيع، صفحة 115-118. بتصرّف.
☆ الدرس الأسبوعي في جلسة الجمعة الماضية .
“3” من سورة الحديد
* من لامية الصفدي …

▪لامية الصفدي:
الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَلِ
فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ

واصبرْ على كلِّ ما يأتي الزَّمانُ بهِ
صبرَ الحُسامِ بكفِّ الدّراعِ البَطَلِ

وجانبِ الحرصَ والأطماعَ تحظَ بما
ترجو من العزِّ والتأييدِ في عَجَلِ

ولا تكونَنْ على ما فاتَ ذا حَزَن
ولا تظلَّ بما أُوتيتَ ذا جَذَلِ

واستشعرِ الحِلمَ في كلِّ الأمورِ ولا
تُسرع ببادرةٍ يوماً إلى رجلِ

وإنْ بُليتَ بشخصٍ لاَ خَلاقَ لهُ
فكُنْ كأنَّكَ لمْ تسمعْ ولمْ يَقُلِ

ولا تُمارِ سفيهاً في مُحاورَةٍ
ولا حليماً لكيْ تنجو منَ الزَّلَلِ

وَلاَ يغرَّنكَ منْ يُبدي بشاشَتَهُ
إليكَ خِدعاً فإنَّ السُّمَ في العَسَلِ

وإنْ أردتَ نَجاحاً أو بلوغَ مُنىً
فاكتُمْ أمورَكَ عن حافٍ ومُنتعلِ

إنَّ الفتى من بماضي الحَزْمِ مُتَّصفٌ
وَمَا تعوّدَ نقصَ القولِ والعملِ

وَلاَ يقيمُ بأرضٍ طابَ مسكنُها
حتى يقدَّ أديمَ السَّهلِ والجَبَلِ

وَلاَ يضيعُ ساعاتِ الزَّمانِ فلنْ
يعودَ مَا فاتَ مِنْ أيامهِ الأولِ

وَلاَ يُراقِبُ إلاَّ مَنْ يُراقِبُهُ
وَلاَ يُصاحبُ إلاَّ كلَّ ذي نُبُلِ

وَلاَ يعدُّ عُيوباً في الوَرَى أبداً
بل يعتني بالذَّي فيهِ من الخَلَلِ

وَلاَ يظُنُّ بهمْ سُوءاً وَلاَ حَسَناً
بل التجاربُ تَهديهِ عَلَى مَهَلِ

وَلاَ يُؤَمِّلُ آمالاً بصبحِ غدٍ
إلاَّ على وَجَلٍ من وثبةِ الأجلِ

وَلاَ يَصدُّ عن التقوى بصيرتَهُ
لأنها للمعالي أوضحُ السُّبُلِ

فمنْ تكنْ حُللُ التقوى ملابسَهُ
لمْ يخشَ في دهرهِ يوماً من العَطَلِ

مَنْ لمْ يصنْ عِرضَهُ مما يُدَنِّسهُ
عارٍ وإن كانَ مغموراً منَ الحُلَلِ

مَنْ لم تُفدهُ صُروفُ الدهر تجربةً
فيما يحاولُ فليرعى مع الهَمَلِ

مَنْ سالَمتهُ الليالي فليثِقْ عَجِلاً
منها بحَرْبِ عدوٍّ جاءَ بالحِيَلِ

منْ ضيَّعَ الحَزْمَ لم يظفرْ بحاجتِهِ
ومنْ رمى بسهامِ العُجْبِ لمْ ينَلِ

منْ جادَ سادَ وأحيا العالمونَ لهُ
بديعَ حمدٍ بمدحِ الفِعلِ مُتَّصِلِ

منْ رامَ نيلَ العُلى بالمالِ يجمعُهُ
من غيرِ جُودٍ بُلي منْ جهلهِ وَبُلي

منْ لمْ يصُنْ نفسَهُ ساءَتْ خليقتُهُ
بكلِّ طَبْعٍ لئيم غيرِ مُنتَقلِ

منْ جالسَ الغاغَة النُّوكَى جَنَى نَدَماً
لنفسهِ ورُمي بالحادثِ الجَلَلِ

فخُذْ مقالَ خبيرٍ قد حَوى حِكَماً
إذ صغتُها بعدَ طولِ الخُبر في عَمَلي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى