سراب…نلهث وراءه / م . عبدالكريم أبو زنيمه

سراب…نلهث وراءه

تتزاحم أقدام مرشحي المجلس النيابي القادم عند عتبات أبواب فقراء الشعب الاردني في الأرياف والبوادي والأحياء الفقيرة في المدن والمخيمات ، وبنفس الوقت يتسابقون لإخراج زكاة أموالهم وصدقاتهم نقداً وحسب الشريعة الإسلامية (حسب عدد الأصوات المتوقعة) وعلى شكل طرود الخير وكوبونات نقدية يتم صرفها أو استبدالها نقداً في المتاجر الكبيرة ، كما أنهم لا يتوانون ولا يترددون في مشاركة أهل البيت الفقير الجلوس على ما يتيسر من فراش بالٍ وعلى الارض يشربون من مشربهم ويأكلون من طعاهم تواضعا منهم (من تواضع لله رفعه الله) ،يسيرون في الشوارع يلتقطون هذا ليحملوه في سياراتهم وينزلون ذاك…يتجولون في الحارات والأزقة بحثا عن محتاج وطالب عون…يسلمون على كل من يصادفهم ويقبلونهم بحرارة حتى يخيل اليك بأنهم مصابون بمتلازمة التبويس…يسألونك عن الوالد او الوالدة اللذين توفاهما الله قبل قرنين مدعين بأن الوالد من أعز وأقرب الناس اليهم…يداهمون الأعراس ومجالس العزاء بلا دعوة وبلا معرفة بالعريس والعروس والمرحوم…يزغردون للعروسين ويتباكون على المرحوم أو المرحومة…يتسابقون للمساجد ولا يصلون إلّا خلف الإمام…يجيبون على الهاتف من أول رنة…تخيلوا من أول رنة!!!… واذا ما صادف أن كان هاتف أحدهم مشغولا فانه لا يتوانى في طلبك خلال ثوان معتذراً ومتأسفاً على التأخير… لقد ترجلوا من سيارتهم الفارهة ذات المحركات الكبيرة(4000س .س وما فوق) التي كانوا يستخدمونها عندما كان بنزينها على حسابنا ويستخدمون الآن سيارات صغيرة ذات محركات صغيرة(1300س.س)
هؤلاء هم ذاتهم الذين كانوا بالأمس أعضاء في المجلس النيابي السابق وما سبقه،هؤلاء هم ذاتهم الذين قطعوا صلتهم بالشعب الأردني وتنكروا لمصالحه وجوعه وفقره،هؤلاء الذين بدلوا خطوط هواتفهم وأغلقوها بوجوه ناخبيهم ومحبيهم ومؤيدهم،هؤلاء الذين فضلوا مصالهم على مصلحة الوطن،هم تجار شعارات ووعود مزيفة،هم سماسرة مصالحهم وثرواتهم،هم من شرع لأعداءنا التملك والاستثمار والاستيطان في بلدنا وخلع جذورنا،وهم ذاتهم من أيّد ودافع عن سياسات البنك الدولي التي أرهقت الشعب الاردني وأثقلت كاهله بالديون ،هم من سمح للحكومة بالتغول على جيوب الفقراء وهم من حمى ويحمي لصوص هذا البلد!!!
هذا القانون الانتخابي المعجزة فُصل تفصيلا لهؤلاء لديمومة النهج الحكومي الذي أوصل البلاد والعباد لما وصلنا اليه الآن من تردي في كافة المجالات،هذا القانون لن يوصلنا الا الى مجلس من السراب تموت فيه امانينا واحلامنا وطموحاتنا،هذا القانون الذي يكرس دولة اللامؤسسات واللامحاسبات من خلال ما سيفرزه من نواب يمتلكون رأس المال والنفوذ والتزوير وهو من أسوأ القوانين الانتخابية سياسياً واجتماعياً وسيعمل على تفتيت المجتمع الاردني قبل وبعد الانتخابات،وحتى لو سلّمنا جدلا بأن بعض الحزبيين سيصلون الى المجلس القادم فماذا باستطاعتهم ان يفعلوه أو يغيروه حتى لو وصل عددهم الى (50-60-80) فهناك مجلس الاعيان الكفيل بتعطيل اي تشريع غير مرغوب وغير مرضي عنه !!!
هذة المهزلة وهذا السراب الذي نلهث وراءه ونشترك فيه بجوعنا وفقرنا وعوزنا،فالمائة دينار أو فوق ذلك التي يقبضها رب الأسرة ثمنا لصوته وأصوات عائلته هو بأمس الحاجة اليها،فالكثير الكثير من الأسر الاردنية لا تملك قوت يومها،وتمر عليها الأيام والاسابيع والأشهر لا تذوق فيها طعم لحم الدجاج، وليست حركة المواطن تعني انه حي يرزق ،فغالبية الشعب الأردني أموات…أموات من الجوع والأمراض والعوز وضنك العيش،فالسياسات العبثية للحكومات المتعاقبة غير التنموية وغياب الرقابة والمحاسبة أفرزت طبقة تملك رأسمال(حرام وحلال) وهذه الطبقة تتحكم بالسلطة التنفيذية التي تشرع لهم من خلال مجلسها النيابي ما يحميهم ويحمي ثرواتهم ومنها قانون الانتخاب المعجزة هذا الذي سيفرز نوابا على مقاسهم ،وللأسف أن غالبية الشعب يلهثون وراء المرشح الذي يدفع أكثر،وغداً سيطل علينا عبر وسائل الأعلام من يقول لنا اننا نحن السبب لأننا نحن من افرزنا هذا المجلس المسخ (أقولها من الان…مسخ) وأرد على من سيتهمنا بذلك منذ الآن أن الجوع والفقر بالإضافة إلى يأس الشارع الأردني من أي أمل في الإصلاح الجدّي والحقيقي هما السبب في إفراز مجلس النواب وليس الشعب الاردني!!! ولو كان هناك نية حقيقية للتغيير والاصلاح لأجريت الانتخابات على قانون أساسه البرامج الانتخابية…عندها فقط سيكون الشعب مسوؤلا عن النتائج .
وهنا أهيب بالناخب الاردني الشريف الذي سيشارك في هذة الملهاة الانتخابية أن يترفع عن المال القذر وصاحب المال القذر ،فمن يشتريك اليوم يبيعك غداً وبأبخس الأثمان،فالكرامة والكبرياء وعزة النفس أغلى ما يملكه الإنسان فلا تجعلوا هذه المعاني والقيم الإنسانية مادة للمساومة أيها الناخبون الكرام .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى