لُقاح Singer
مجد الرواشدة
لستُ أدري لما حين يهمُ الانسان بخياطة ندوبه يغفو ، يراود جفونه النعس لا لأن بدنه تعب بل لأن خيوط فكره كلما مرت وجدت عقدة ما ، تعنّت بفكها وأُنهكت .
تعود الخيوط بعد فكها مسبلةً ولكن كلما مشت عجلة الماكينة لتخيط حتى تعثرت بآثار العُقد ، كلما حاول المرءُ أن يحيك الندوب غفى ، لا يأساً بل أملاً منهُ أن الخيوط تستبدل فبكرةُ الخيط ما زال فيها متسعُ لنأخذ منها لا لنعطيها ، على حواف الطاولةِ ذاك المترُ الذي نُقدرُ فيه تلك المسافةُ بين دوس الأقدام وسوط العقول ، تلك المقاييسُ لا تجسد أجسامنا فعلاً لذا غالباً ما يعاني الخيّاطين ، رغم دقة المقاييس ، تفيض الملابس أحياناً وتضيق أحياناً أخرى ، فالمرء منا يكبرُ بما يمر به ، وهذه السنةُ كانت عصيةً على الجميع ، ما عُدنا نتبع ُ الجنائز ، وما عُدنا نزمرُ بالفاردات ، أفواهنا تعلوها الكمامات وأناملنا كممتها القفازات ، تغيّرت مساراتُ الحياة ِ نخفي الفرح ونخفي الترح ، الكورونا لم تغير حياتنا فحسب بل غيرت نظرتنا للأمور ، ها نحنُ على أبوابِ عامٍ جديد يقولون بين الحين والآخر أن هناك لُقاحُ ما سيرى النور قريباً ، ولكن أي لقاح ٍ ذاك الذي سيداوي الناس من عامٍ ثقيل كهذا ، هذا العام قطعة ُ أفسدها الخياط لا هي شحيحه ولا هي فضفاضه انها بالية ، وحين قلت أن المرء يكبرُ بما يمر به ، هذه السنة كبرتنا أحبابنا ما زالوا بالغربة، اولادنا نخشى عليهم من نسمة الهواء ، قبل أعوام ليست ببعيدة سمعنا عن زئبقِ اتخذ من ماكينة امهاتنا مسكناً له ، درج آن ذاك أن هذا الزئبقُ يُثري من يملكه ، هرعنا لماكيناتنا ( SINGER ) كما لو أنها ( قطعة ذهب ) ، ولكن سرعان ما عرفنا أن المرء تقوده تلك الأقاويل حوله، وهذا حالنا مع لقاح كورونا نأمل أنه هو الضماد الوحيد أمامنا هو الزئبق بماكينة عمرنا ، ولكننا غفلنا أن قطعة الملابس بهذا العام فسدت ، لا الماكينة ولا المقص ولا الخيط ولا الزئبق يداوي كورونا.
اللهم اجعل العام القادم شبيهاً لنوايانا ، عاماً لا فاقدين ولا مفقوين ، واننا يا الله ما انتظرنا لقاح اننا ننتظر رحمتك دوما ً.
وكل ما نرجوه أن لا يكون هذا اللقاح كما زئبقُ SINGER