تحت الضوء

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

لانشغال روسيا بالصراع الدائر بينها وبين الغرب في أوكرانيا، اغتنمت “أذربيجان” الفرصة، وخلال يومين تمكنت من هزيمة الانفصالين الموالين لأرمينيا الذين كانوا يسيطرون على اقليم “نغورني قره باغ” وأعادت الإقليم لوطنه الأم “أذربيجان”.
لأن قضية إقامة هذا الإقليم تشبه كثيرا إنشاء الكيان الصهيوني، فوددت عرض تطورات الأحداث فيه، علّ اولي الأمر في أمتنا يستفيدوا من هذه التجربة، ويعلموا أن “العملية السلمية” التي يعلقوا عليها كل آمالهم، ما هي إلا مخدر لا ينفع، ولن تعيد حقا.
ظل الصراع بين الروس ومجاوريهم من الأقوام التركية قائما طوال عهد الدولة العثمانية، وكان الروس يستعينون عادة بالأرمن، كونهم القومية الوحيدة في وسط آسيا التي لم تدخل الإسلام، لذلك ظل هؤلاء شوكة تستنزف قوى الدولة العثمانية، مما حدا بها الى محاولة إضعافهم عن طريق تهجير أعداد منهم لتفريقهم بين المجتمعات الإسلامية، علهم بمخالطة المسلمين تخفت حدة تعصبهم العدائي لهم، ويكتسبوا شيئا من سماحة الإسلام، وسمى الغرب ذلك التهجير مذبحة، رغم أن التهجير الذي قام به ستالين كان بأضعاف ذلك، والخسارة البشرية أثناءه كانت بالملايين، لكن الغرب المتعصب ضد الإسلام نسيه، كما تناسى كل حالات التهجير القسري للمسلمين، مثل تهجير الفلسطينيين والشركس والشيشان والإيغور ومسلمي الفلبين وميانمار والسوريين، ولم يتذكر الا قضية الأرمن.
تعود جذور الصراع الى الحقبة السوفيتية في عشرينات القرن الماضي حين قام “ستالين” بتطبيق سياسته في التفريق بين الإثنيات وإشعال نار العداء بينها وتفتيت قواها، فقد قام في عام 1923 باقتطاع إقليم “نغورني قره باغ” من أذربيجان بحجة وجود أقلية أرمنية فيها، ورسم حدود هذا الإقليم بحيث تجعل كل ما يحيط بها أذربيجانيا، ولعدم رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية، أبقاه منفصلا ومنحته الحكم الذاتي، وتعزله عن أرمينيا إقليم “ناختشيفان” الذي يقطنه أذريون، وذلك ليبقى الصراع قائما.
القاعدة الثابتة في الصراعات البشرية التي يتجاهلها الظالمون، تحكمها السنة الكونية التي تقول بأن الصراع بين حق وحق لا يكون، لأن الحق واحد مهما تعدد طالبوه، والصراع بين حق وباطل قد يقصر أو يطول بحسب علو همة أهل الحق او تقاعسهم، لكن نتيجته محسومة، فالباطل زاهق حتما، أما الصراع بين باطل وباطل فلا ينتهي ولا يحسم، وإنما تكون الغلبة فيه للطرف الأول حينا، وللطرف الثاني حيناً آخر.
لذلك ففي قضية “نغورني قره باغ”، فقد أقيم هذا الإقليم، مثلما أقيم الكيان الصهيوني في قلب وسط إسلامي رافض له، بهدف إضعافه وإعاقته عن التقدم، وما كان ليدوم هذا الباطل إلا بالحماية من قوى الشر الدولية، وبسبب التاريخ الحمائي لروسيا للأرمن، ولمنع تقدم أذربيجان وتحررها من الهيمنة الروسية، فقد أوكل الغرب لها مهمة حماية هذا الإقليم من الأذريين، تحت مسمى (قوات حفظ السلام).
اغتنم الأذريون فرصة انشغال الروس بحربهم في أوكرانيا، وقدروا أنهم لن يتورطوا بحرب أخرى في هذا الوقت العصيب، فقاموا بهجومهم العسكري، وفعلا صدقت توقعاتهم، كما أن الغرب المستنزف بإمداد الأوكرانيين لم يتحمسوا للمزيد في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، ومن فهم هذا الواقع فقد أحجمت أرمينيا ذاتها عن التدخل عسكريا.
نلاحظ في هذا الصراع أمرا هاما، وهو أن الأذريين لم يعترفوا بالكيان المصطنع رغم معرفتهم بالتفوق الهائل لحماته ورعاته، ولم يعلقوا أية آمال على المفاوضات الجارية طوال الوقت بل كانوا يعدون العدة ويرفعوا من قدراتهم العسكرية أثناءها.
هذا هو الفارق الذي يميز من هو مقتنع بحقه وبباطل العدو الباغي، ومهما كانت قوة العدو أو قوة حماته، فلا يجب أن يغيب عن ذهن صاحب الحق لحظة واحدة، أن لا يعطي شرعية للباطل، لأن القوة لا تصنع حقا مهما كانت متفوقة، هي تحقق غلبة فقط، وغلبة الباطل دائما مؤقتة، لذلك فأقصى طموحات الباطل أن يجرد صاحب الحق من حقه، لأنه عندها يصبح الصراع بين باطلين، كونه يغدو بين مصلحتين متعارضتين، لذلك يبقى معلقا فلا يحسم، بدل أن يصبح صراع حق مع باطل والذي نتيجته محسومة مؤكدة لصالح الحق مهما طال الصراع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى