حديث سواليف الرمضاني 20: برِّ يَوْمٍ وَجُحُوُدُ دَهْرٍ(2)

سواليف – خاص – د.منتصر بركات الزعبي

وإليكم صورًا ومواقف َمؤثرة من حياة البارين بآبائهم: كانَ أميَّة بنُ الأسْكرِ الكِنَانِي يُحبُّ الجِهادَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فطلبَ مِنْ عُمَرَ بنَ الخطابِ – رضي الله عنه – أنْ يُخْرِجَهُ للجهادِ في بلادِ فارسَ ، ففعلَ عُمًرُ ، وجاهدَ أميَّةَ هناكَ ، ثمَّ عادَ إلى المدينةَ ، وبقيَ فيها فترةً حتَّى كَبُرَتْ سِنُّهُ ورقَّ عَظمُهُ. وكانَ لأميةَ الكنانِي ولدٌ يُقالُ لَهُ كِلابٌ ، كَبُرَ بينَ يَديْهِ حتَّى أصبحَ شابَّاً فتياً يافعاً ، وكان كِلابٌ هذا عابداً زاهداً باراً بوالدَيه ، فأحبَّهُ أميَّةُ أشدَّ ما يُحِبُّ الأبُ ابنَه ، فتعلَّقَتْ به نَفْسُهُ. وذاتَ يومٍ نادى الخليفةُ عُمَرُ ابنُ الخطابِ للخروجِ إلى الجهادِ ، فجاءَهُ أميَّةُ وقالَ : يا أميرَ المؤمنِينَ ، إنِّي واللهِ أحبُّ الجهادَ في سبيلِ اللهِ ، وما يمنعُنِي اليومَ مِنَ الخروجِ إليَّهِ إلا ضعفُ جَسَدِي وَكِبَرُ سِنِّي ، فقامَ ابنَه الوحيدُ كِلابٌ فقال : يا أميرَ المؤمنِينَ ، أنا أبيعُ اللهَ نفسِي ، وأبيعُ دُنياَي بآخرتِي ، فتعلَّقَ به أبوه وقالَ : لا تدَع أبواك شيخَين كبيرَين ضعيفَين ربيَّاك صغيراً ؛ فما زالَ كِلابُ بأبيهِ يحاولُ فيه ويرضيهِ حتَّى أذنَ له بالخروجِ إلى الجهادِ. وخرَجَ كِلابٌ إلى الجهادِ فغابَ عنْ أبوَيه ، وكانَ أميَّة كلَّ ما تذكَّرَ ولدَه كِلابَ بكَى وبكَتْ زوجَتُه ، وذاتَ يومَ جلَسَ أميَّة خارجَ بيتَه فرأى حمامةً تٌطعِمُ فراخَها ، فتذكَّرَ ابنَه كلِابًا وأخذَ يبكِي ، ثمَّ أنشدَ قائلاً: لِمَنْ شَيْخَانِ قَدْ نَشَدَا كِلابَا *** كِتابَ اللهِ لو عَقَلَ الكتـابَ أُنـادِيهِ فيُـعْرِضُ فِي إبَاءٍ *** فلا وَرَبِّ أبي كِلابٍ ما أصابَ إذا سَجَعَتْ حَمامةُ بَطْن وادٍ *** إلى بيْضَاتِها أدعُـو كِـلابَ تَرَكْتَ أباكَ مُرْعِشَةً يـداهُ *** وأمّكَ ما تُسِيغُ لهـا شَــرابُ فإنَّكَ والتماسُ الأجرِ بَعْدِي *** كباغِي الماءِ يلتمسُ السَّرابَ فسمِعَه رجُلٌ مِنْ قرابَتِه قالَ : ما خبرُكَ يا أبا كِلابٍ ؟ فأخبرَهُ بخبره وشِدةَ موجَدَتِهِ على ولدِه فأخذَ بيدِهِ وأدخلَهُ مسجدَ رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم – واجَلَسهُ في حلقةٍ قريبةٍ مِنْ عُمَرَ بنَ الخَطابِ – رضِيَ اللهُ عنهُ – وحولَهُ المهاجِرين والأنصار ثم قالَ : يا أبا كِلابٍ وهو لا يدرِي أينَ هو ، أنشدْنَا من أشعارِك ، ُ فبدأ يُنْشِدُ و يقولُ : سأَسْتَعْدِي عَلى الفَارُوقِ رَبَّا لَهُ دُفِعَ الحَجيجُ إلى بُثَــــــاقِ وأدعُــو اللهَ مُجْتَهِداً عليــــهِ ببطنِ الأخشبَين إلى دُفــــــاقِ إنْ الفـاروقُ لمْ يَرْدَدْ كِلابـــاً إلى شـَـيْخَيْنِ هَامُـهــُما بَـواقِ فتأثرَ عُمرُ تأثراً بالغاً ،وبكَى بكاءً شَديدًا وأرسلَ إلى أميرِ الجيشِ في العراقِ أنْ يَرُدَّ كِلاباً ، فأمرَ أميرُ الجندِ كِلاباً أنْ يرجِعَ إلى المدينةِ ، فرجَعَ كلابٌ لا يدرِي ما الأمر ، ولا يدريْ لماذا خُصَّ بهذا الخِطابِ ، ولمَّا وصلَ المدينةَ ذَهبَ إلى عُمَرَ ابن الخَطَّابِ قبلَ أبويهِ ، فقالَ له عُمَرُ : يا بُني ما بلغَ مِنْ بِرِّكَ بأبويكَ ؟ فقالَ كلابٌ : كنتُ أؤثِرهما على نَفْسِي وأكفِيهما أمرَهُما ،وكنتُ أرعاهُما كما ترْعَى الطيرُ فِراخَها ، وكنتُ إذا أردتُ أنْ أحْلُبَ لهُ لبناً أجِيءُ إلى أغْزَرِ ناقةٍ في إبلِي فأُريْحُهَا ، وأتْرُكُها حتَّى تَسْتَقِرَ ، ثمَّ اغسلُ ضُروعِها حتَّى تَبْرُدَ ، ثمَّ أحْلُبُ لَهُ فيخرُجُ الحليبُ بارداً ، ثمَّ أسْقِيِه إيَّاه ، فأرسلَ عُمًرُ إلى أميَّةَ أنْ يحضُرَ إليّْهِ ، فجاءَ أميَّةُ يتهادَى قدْ انحنَى ظهرُهُ ، فلمَّا جلسَ قالَ لهُ عُمَرُ- رضي الله عنه – : يا أميَّةُ ، كيفَ تجدُكَ ؟ فقالَ : كَمَا تَرَى يا أميرَ المُؤمِنين ، فقالَ عُمًرٌ : يا أبا كِلابٍ ، ما أحبُّ الأشياءِ إليْك ؟ قالَ أميَّةُ : ما أحبُّ اليومَ شيءٌ ، ما أفرحُ بخيرٍ ولا يسوؤنِي شرٌ ، فقالَ عُمَرُ : ومعَ ذلِك يا أبا كِلابٍ ماذا تتمنَّى ؟ فقالَ : أتمنَّى كِلًابا ، أُحِبُّ أنَّهُ عندي فأضُمُّه ضمَّةً ، وأشمُّهُ شَمَّةً ،قبلَ أنْ أموتَ ، فرقَّ لهُ عُمرُ وقالَ : سَتَبْلُغُ ما تحبُّ إنْ شاءَ اللهُ. وأمرَ عُمَرُ كِلابًا أنْ يَحْلُبَ الناقةَ كما كانَ يَحْلُبُهَا لأبيهِ ، ثمَّ أخذَ عُمرُ الإناءَ الذِي فِيْه الحَليبَ وأعطاهُ لأميَّةَ وقالَ : اشرَبْ يا أبا كِلابٍ ، فلمَّا قَرَّبَ أميَّةُ الإناءَ مِنْ فَمِهِ ، تَوَقَّفَ بُرْهَةً وقالَ : يا أميرَ المؤمنِين ، واللهِ إنِّي لأشُمُّ رائِحَةَ يديّ كِلاب ، فَجَاءَ عُمَرُ بِكلابٍ لأميَّةَ وقالَ : هذا كِلابٌ يا أبا كِلابٍ ، فوثَبَ أميَّةُ مِنْ مَكَانِهِ وضَمَّ ابنَهُ وهو يَبْكِي ، فبكَى كِلابٌ لِبكاءِ أبيهِ ، وبكَى عُمَرُ لبكائِهما ، وبكَى الجميعُ حتَّى ضجَّ المَجْلِسُ بالبُكاءِ. وقالَ عُمَرُ لِكِلاب : يا كِلابُ ،إن كنت تريد الجنة فليس ،ألا تحت إقدام هذا وأشار إلى والده وهذه العجوز- أمه – الزمْ أبويْكَ وجاهَدَ فيهما ما بَقِيا ، ثمَّ شأنُكَ بنفسِك بعدهُما ، وأمرَ بعطاءٍ له وصرفَه معَ أبيهِ. وقالَ كِلابٌ : يبيِّن أنَّه لمْ يَتْرُكْ أبوَيه لدُنياه ، وإنَّما تركَهُما لآخِرَتِه: لَعَمُرُكَ ما ترَكْتُ أبا كِلابٍ كبيرَ السِنِّ مُكتئِباً مُصَاًبا وأماً لا يَزالُ لَها حَنِينُ تُنَاِديني بعدَ رقْدَتِها كِلابَا ولكنِّي رجوتُ بِهِ ثَوَاَبا

ارشيف 2015

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى