حالةُ البِلاد / سلامة الدرعاوي

حالةُ البِلاد

تَقريرُ حالة البِلاد الذي أصدره المجلسُ الاقتصاديّ والاجتماعيّ الأسبوع الماضي يتضمنُ التشخيص للحالة التي وصلت إليها المملكة بعد سنوات من تنفيذ الحكومات لبرامج إصلاحيّة تُبيّن فيما بعد أنها لمّ تكّن كذلك أبداً، وأن ما حدث في العهد الجديد لإدارة الدولة ما كان إلا إدارة أزمات لا أكثر، وأن المعالجات الحقيقيّة كانت غائبة عن الساحة نهائيّاً.
أهميةُ تقرير حالة البِلاد أنهُ صادرٌ هذه المرّة عن جهة أكاديميّة بحثيّة رسميّة، عقدت العزم على التشاور مع مُختلفِ أطياف المجتمع لرصد حقيقة الحالة التي يعيشها المُجتمع الأردنيّ، والتحدّيات التي تعصف بالدولة، ومخرجاته للأسف لمّ تكّن مُفاجئة لِما يتحدث به الشّارع في مجالسهم أو حتى الانطباعات التي تدور في ذهن المواطن أنفسهم مع اختلاف طبعاً التوثيق ومنهجية البحث.
التقرير خرج بخُلاصات خطيرة للغاية لعّل أهمها: أن هُناك عجزٌ رسميّ من قبل كافة الحكومات بتنفيذ أيّة استراتيجيّات عمل وطنيّة، وأن جميعها كانت تدور بذات الفُلك حول الأزمات دون الدخول في معالجات أسبابها، وذلك لِغيابِ أولاً: الكوادر البشريّة القادرة على التعامل مع معطيات الوضع، وثانيا: غياب الموارد الماليّة التي تدعم عمليات معالجة الاختلالات.
المحاصصة والجهويّة كانت أبرز عراقيل الإصلاح في الدولة خلال السنوات الماضيّة، وهذا أمر كان واضحا للعيان، فالقوى المُتنفذة زرعت أدواتها في القطاع العام تحت وطأة البازار العلنيّ، مما جعل غالبية المناصب المُهِمة في الدولة بيدِ زمرة إداريّة غير كفؤة على الإطلاق، ساهمت جليّاً في تشتيت الإصلاح وقيادته إلى الهاوية، لا بل أنها شكلت قوى شد ممانعة لأيّة قوى تغيير حقيقيّة في المجتمع، وجعلت من نفسها بطانة تسعى فقط للمحافظة على مكتسباتها لا أكثر.
وللأسف الحكومات لمّ تحاول أن تُقاوم الوضع الراهن بالتغيير الإيجابيّ، بل استمرت بذات النهج في إدارة شؤون الدولة على مختلف مستوياتها الإداريّة والسياسيّة والاقتصاديّة، الأمر الذي ساهم في تراكم الفشل والاختلالات في القطاع العامّ للدولة الذي بات فعلا أحد العقبات الإصلاحيّة في الدولة.
واستمرت حالة فقدان البوصلة الإداريّة للحكومات التي أبقت عمليات التعيين بنفس الشكل السائد الذي يتسم بغياب العدالة والشفافيّة في التعيينات، ولحق ذلك غياب واضح للمحاسبة والتقييم، وهذا ما يُفسر انتشار مظاهر الفساد والضعف الإنتاجيّ والإداري في الدولة.
وهذا ما يفسر عملية تداول السلطة التنفيذيّة لجهاد الدولة الإداريّ، فمن أصل 434 شخصيّة تولت المناصب الوزاريّة خلال 18 عاما الماضيّة، نجد أن هُناك 166 وزيرا تناوبوا على المناصب الوزاريّة القياديّة تحديداً، وبالتالي فان مُعطيات العمليّة الإصلاحيّة لديهم لمّ تكّن تتجاوز الخطابات الإعلاميّة لا أكثر، وحتى أن لو كان لديهم فكر أو رغبة إصلاحيّة لوجدت التطور حاصل في الأماكن التي تسلموا قيادتها وبعدها انتقلوا لمناصب وأماكن أخرى.
عمليات التدوير للمناصب جعلت الفكر الإصلاحيّ مبقي على هؤلاء، لا بل اصحبوا يشكلون جداراً منيعاً لأيّة محاولات إصلاحية على أيّة مستويات، والسبب منطقيّ وطبيعيّ، فهناك مُكتسبات كبيرة باتت في الخدمة العامة، وهناك توظيف كبير للسلطة وتحقيق للمآرب الشخصيّة، فليس من مصلحتهم التغيير أبداً، أو حتى مشاركة الحيل الجديد في تغيير أنماط الإدارة.
تقرير حالة البلاد يُشخص كُلّ الاختلالات التي تعرض لها المجتمع الأردنيّ ومرافقه الإداريّة والمزاج الذي تشكّل في الشّارع، والنتيجة الواضحة أن هُناك صراع خفيّ بين أصحاب الأجندات والمواقع التي يديرونها وبين جيل من الأردنيين الذين يتطلعون للمشاركة في رسم وصنع القرار، والصراع يتجلى تحديدا في الجهويّة والمحسوبيّة التي يزداد حضورها في المشهد العامّ للبلاد يوما بعد يوم، فالكُلّ ينظر للدولة من باب مصلحته الخاصة فقط، في حين أن مفهوم المصلحة العامة يتم تداوله على أضيق الحدود وفي مناسبات خاصة جدا لأغراض الاستخدام الإعلاميّ لا أكثر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى