وراء الحدث

#وراء_الحدث

د. #هاشم_غرايبه

أثبتت مسارات التفاوض لإنهاء العدوان الغربي على القطاع المحاصر منذ عشرين عاما، والذي انخرط فيه كل دهاقنة الغرب، بهدف الخروج بكيانهم اللقيط من موقعة الطوفان بأقل الخسائر الممكنة، أثبتت هذه المفاوضات كذب ادعاء علمانيينا بأن الدين والسياسة أمران متناقضان، بمعنى أن مهارات السياسة (ألاعيبها وأحابيلها) تحتاج الى قلة الدين وانعدام الإخلاق، فها هي المقاومة الإسلامية، أثبتت مهارات عالية في قدراتها التفاوضية، لذلك أرست مبدءا جديدا في علم السياسة، وهو أنه يمكن تحقيق الأهداف المتوخاة عن طريق الالتزام بالصراط المستقيم والثبات على المبدأ والالتزام بهدي الله.
فقد استطاعت بتشددها بالتمسك بكافة شروطها أن ترغم أمريكا على الزج بمدير المخابرات المركزية شخصيا في التفاوض، كونه أكثر شخصية لديهم تلم بكل المعلومات اللازمة التي لا يمكن حتى للرئيس أو وزير الخارجية معرفتها، كما أنه المرجعية العليا لكل مدراء المخابرات العربية الذين كلفتهم أمريكا بالضغط على المقاومة.
لقد كانت موافقة المقاومة على الصفقة التي أعلنت بالأمس ضربة معلم مدروسة، بعد أن أظهرت التشدد الضاغط كونها تملك ورقتين قويتين: الأولى الأسرى، والمستندة الى إدامة ضغط أهاليهم، والثانية صمودها الذي أدى الى إفشال كل أهداف العدو، والذي كان يتصور أن القضاء على المقاومين لن يستغرق أياما، فرغم الدعم غير المحدود ولا المسبوق من كافة دول الغرب بلا استثناء، واستخدامه أعتى الأسلحة المتطورة، مقابل أسلحة المقاومة البسيطة، ورغم أن ساحة المعركة صغيرة ومحاصرة بأنظمة حليفة له، إلا أنه لم يتمكن من أسر مقاوم واحد، ولا تحرير أي أسير.
بالطبع لا يمكن تفسير ذلك الصمود بالمفاهيم العسكرية المادية، لذلك فالتفسير الوحيد أن هنالك قوة غير بشرية ولا قدرة عليها، تمدهم وتدعمهم مع انقطاع المدد، وتبارك بالقليل الذي لديهم فيكفيهم، رغم منع الطعام والماء والدواء عنهم.
هذا ما لا يمكن لمن لا يؤمنون بالله فهمه، لكنه عند المؤمنين مفهوم، فهو تنفيذ وعد الله للصادقين في إيمانهم “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا” [النور:55].
لذلك ومن تدخلات الله في تسيير الأحداث وتوجيه الارادات وفق مراده، والتي منتجاتها ظاهرة للعيان، أنه هدى المجاهدين لاتخاذ القرارات الصائبة، وكان آخرها إيقاع النتن ياهو في الفخ ليلاقي شر أعماله، فهو الآن عارٍ أمام الضغط الداخلي والخارجي من كل حجج المماطلة، لأنه يعتبر وقف العدوان بالشروط الحالية هزيمة له وفشلا ذريعا لإدارته.
من استعراض الأحداث منذ السابع من تشرين والى اليوم، سيخلص أولو الألباب الى الاستنتاجات التالية:
1 – لا شك أن القرار بمعركة الطوفان كانت هداية من الله وتدبيرا منه، منحها للفئة القليلة من هذه الأمة التي ما زالت متمسكة بمنهجه، ليكرمهم بنصره وتمكينه وأمنه، بعد أن يبتليهم بالصعاب والمحن ليطهرهم ويتخذ منهم شهداء.
2 – الحكمة من التوقيت، تبين لنا أنها جاءت لتعطيل الإعلان الرسمي لشمول أرض الحرمين برجس التطبيع، فقد رأينا الله تعالى يحمي بيته الحرام من ابرهة، لأنه أراد له أن يكون مهدا ومؤئلا للرسالة الخاتمة، ثم حماه من رجس المشركين طوال الوقت منذ ذلك، فلم يقرب مكة ولا المدينة أي منهم رغم احتلالهم لكافة ديار المسلمين، لذلك لن يسلمه لهم بغطاء التطبيع، ولا شك أنه سيعطله الى أن يأذن الله بكنس كل الخانعين من ديار المسلمين.
3 – لقد أراد الله كشف الأنظمة العربية المنافقة، الذين حموا الكيان اللقيط باصطناع الهزائم أمامه في النكبة والنكسة ومعاهدات الاستسلام، فأرانا حقيقتهم، وخيانتهم لإرث الأجداد الذين أوروثوهم العقيدة والبلاد، ففرطوا فيهما، وانهزموا للعدو قبل القتال ليمكنوا له، وليوهموا الشعوب أنه لا قبل لهم بمقارعته رغم أنهم كانوا لا يقلون عددا ولا عدة عنه، فأراد الله هذا الطوفان ليكشف زيف ادعائهم، وليعرّيهم بصمود متبعي منهجه رغم اجتماع كل القوى العظمى عليهم.
4 – سيطرة الغرب أهل الباطل إعلاميا وتضليل الشعوب كان طاغيا، حتى لقد بات من غير الممكن نشر الحقيقة.
فجاءهم الله من حيث لم يحتسبوا، واخترقهم الحق بشق صفوفهم، في شبابهم طلاب الجامعات، فهم يمثلون مستقبل الغرب.
لنعلم أن العاقبة للمتقين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى