
ما بين الممكن والمُحتمل
جروان المعاني
أيا كانت غايات ترامب ونتنياهو من عرض خطة ما سمي بصفقة القرن بهذا الوقت فقد تضمنت نواياهم ورؤيتهم الحقيقية اتجاه فلسطين، ولا شك ان الانتخابات سبباً اساسيا لهذا الاستعراض، وهو اقصى ما يمكن ان يقدموه حيث مصلحة بلادهم وشعوبهم هي اولويتهم، ولكن، ما هي مصلحة تلك (البلاد العربية) التي حضرت وأيدت؟.
من الممكن جدا والمؤكد أن تُمارس الضغوط على الاردن والسلطة الفلسطينية وأن تحاول بعض الدول ابتزازهما اقتصادياً ولكن من غير المُحتمل أن يتم قبول هذا الاجحاف حتى لو كان المقدم (35) مليار دولار، ومن الممكن جدا ان يمارس التهويش والتهديد ولكن من الواضح ان الدعم الشعبي الهائل سيشكل جدارا منيعاً في وجه اسرائيل والامريكان.
لعل الرئيس التونسي كان واضحا في تفسير مواقف الدول العربية المتهافتة والتي سارعت للموافقة على مضامين الصفقة واصفاً بانها ثقافة الهزيمة في العالم العربي، لكن سيبقى الموقف الاردني والفلسطيني الرافض لهذه الصفقة حجر الزاوية في افشالها مهما بلغ حجم الانهزام والتردي.
من الواضح ان ترامب لا يسمع الا من نتنياهو والعصابة المتعاطفة معه في الحكومة الامريكية، ومن الواضح انه لا يضع في حساباته وزنا لأي زعيم عربي، لأنه يدرك انهم لن يعارضوه لذا فقد جاء موقف الملك عبدالله الصريح صفعة بوجهه وسيخلط الاوراق وهو ما اعطى السلطة الفلسطينية قوة حقيقية على الصراخ بلا لهذه المهزلة التاريخية.
نكسب كثيرا ان استمر الموقف الاردني بهذه القوة ونكسب اكثر بهذا التلاحم الجميل بين الشعب والقيادة وتزداد العظمة بهذا التآلف وتوطيد الاخوة بين الاردني والفلسطيني، ويبقى التخوف مما قد تمارسه قوى الظلام من ضغوط على اقتصاديات هي في الاصل هشة وضعيفة واكثر ما يؤلم علمنا الاكيد بأن اجتماع القاهرة غدا السبت لن يقدم دعما بأي شكل للموقف الفلسطيني، بل ربما سيحمل الاردن مسؤولية منع تنفيذ الخطة .!
ان هذا الشتات والضعف الذي تعيشه سوريا ومن قبله العراق يتطلب منا ان تكون ردود افعالنا عقلانية فكل الصفقة هي زوبعة كبقية الزوابع التي اعتاد عليها أهل فلسطين، وعلينا كأردنيين ان نتحلى بالصبر على ما ستحمله الايام القادمة من ضغوط وان تكون الدبلوماسية الاردنية محمولة على زخم شعبي يعلن تأييده لموقف جلالة الملك والذي يعلن صراحة ان القدس خط احمر، وان نكون مستعدين لجولة طويلة وصعبة من الضغوط الاقتصادية، فاذا ادركنا اننا لا نستطيع الصمود فعلينا التزام الحكمة والتوقف عن الرفض المطلق والبحث عن وسائل تدفع بالجلوس الى طاولة المفاوضات من جديد والخروج بصيغ تتوافق وحق الشعب الفلسطيني.
لا يخفى على احد أن ما تقدمه امريكا هو اقصى ما يمكن تقديمه، وان بدائلها تتمثل في مزيد من الهدم لبيوت المقدسيين وتهجير كل من يعارض، والمؤسف اننا لن نجد احدا يمنع حدوث ذلك خاصة وان الضمير العالمي مصاب بالجفاف وان القوى العظمى منشغلة في اعادة تقسيم المنطقة واخذ حصتها.
في الجعبة كثير مما يمكن أن يقال ولكن هل القول وحده يكفي؟ وهل عدم حضور السعودية لمؤتمر الصفقة امر طبيعي؟ اسئلة كثيرة اجابتها مرهونة بالوقت الذي ابدا ليس في مصلحتنا.