
مفك في الخاصرة
في حوار اقل ما يقال فيه انه حوار غبي حول ما حدث في السفارة، جمع ما بين شابين في الثلاثينيات من العمر، احدهم يعترف بحق اسرائيل الكامل في الوجود ، والثاني ما زال مؤمنا انها دولة مغتصِبة وعدو للاردن، وكانت نتيجته ان تعاركا لفظا واساءا بشكل بشع وتكدس خلفهم المؤيدون، فانقسم الجمع وحملوا مسدسات من الكلمات وحين تدخلت في محاولة لرأب الصدع تدخل طرف رابع طالبا مني عدم التدخل الا اذا كنت مع او ضد احد الطرفين، واشد ما اثار استغرابي، انه تم الربط بين فعل احمد الدقامسة وفعل الجندي معارك ابو تايه وحارس السفارة، ثم تطور الحوار الى موقف الاردن واسرائيل من الاقصى وقدرة كل منهما على حماية شعبه وجنده ..!
المتتبع لتاريخنا سيلمس بكل بساطة قدرتنا العجيبة على الانقسام السلبي والتخندق للدفاع عن اشخاص وليس عن الفكرة، وان زرع الفتنة امر يسير، وكم نحن بلهاء حين قزمنا قضايانا الكبرى، وكان اخرها تقزيمنا لقضية الاقصى حيث اختزلت القدس بالبوابات الالكترونية واختزلت قضية فلسطين وشعبها بشكل التعاون الامني وحجمه بين السلطة وفصائلها وكله يصب في حماية شعب اسرائيل (ودولتها).
لسنا ننكر ضعفنا وجهلنا وفقرنا، ولسنا ننكر عدم امتلاكنا لحكمة حكومات تجبُر ما فينا من عِلل، وما لا يدركه حكام الأمة انه لا عزيز فيهم عند اسرائيل وامريكا، وعليه فان الشعوب حين تكون على دين حكامها فهذا يعني ببساطة انه لا وجود لنا على خرائط حقوق الانسان ولا نمتلك حق منع عبوديتنا وإن تنافخنا كذبا بذلك .
أيها الاردنيون على اختلاف مشاربكم السورية والعراقية والفلسطينية واليمنية وشركس وشيشان وكرد وابناء عشائر – وقائمة الاصول والمنابت تطول- كيف ترون مستقبلكم ؟
منكم من يرى اننا ارض حشد ورباط وان تجمعُنا هنا من اجل اليوم الموعود حيث ينادي شجر الغردق، يا مسلم تعال خلفي يهودي فاقتله .! والسؤال كم شجرة غردق زرعنا ؟؟!
ومنكم من سلم بقدره الى حين هدوء الاحوال ليعود الى بلده التي فر منها كي لا يكون طرفا في نزاع ويحمي اسرته من همجية الموت المجاني، فاستكان لفكرة العودة مع علمه الاكيد انه لن يعود !.
ومنكم من لا يعنيه في الوجود شيئا الا تأمين لقمة العيش غصبا لاسرته، وبات انشغاله الاول والاخير ان يعيش مستورا ولو ذليلاً !.
مجمل القول اننا لا نعرف للقادم امراً ولا ندري متى تدور الدوائر فننتصر او تكتمل حلقات اللجوء بمزيد من الدم الذي يمكن ان يُراق ، فنحن شعوب تعيش اللحظة بكل ما فيها من قسوة ونعيم، عُطلت فينا ارادة التغيير، واكذب ما فينا قيمٌ تفاخرنا بها شكلا ولا تحمل اي مضمون، الشجاعة والإباء والكرم والعزة والتسامح والاخوة، وكلها اشياء ومسميات تسقط امام اول امتحانٍ حقيقي !.
لم اصل لدرجة اليأس بعد، بصيص النور باخر النفق موجود ولكني اخشى ان نصله متأخرين، وحتى يكُبر اطفالنا ويصلون لبوابة النفق اخشى ان ندفع ثمنا اكبر مما دفعناه حتى اللحظة، ولا سبيل امامنا الا الاتحاد بوجه العدو الصهيوني، فكل منا يستطيع ان يحمل مفكاً، لكن لا تزرعه بخاصرة أخيك! .