أبو يوسف و ثوب الوطنية / المحامي حاتم خليل الشوبكي

أبو يوسف و ثوب الوطنية …
المحامي حاتم خليل الشوبكي

في عام 2002 زارني في مكتبي رجل سبعيني العمر … وقور … هادىء … دافىء … يقيم في بغداد منذ الخمسينات … يحمل الجنسية الأردنية … أصله من الرملة …
و بعد حديث شيق و مطول تناول فيه ذكرياته في فلسطين و الأردن و العراق … أخبرني أنه يريد أن يستصدر هويات و شهادات ميلاد و جوازات لأبنائه و أحفاده كونهم يحملون الجنسية الأردنية …
و أذكر في ذلك الحين أن أحد أبنائه مواليد بغداد 1963 …
بعد عدة أسابيع تم استصدار جميع الوثائق و الأوراق الرسمية لأبناء أبا يوسف و أحفاده …
أتذكر حينها المشهد … وقفت أنا و أبو يوسف في ساحة دائرة الأحوال المدنية و الجوازات القديمة في جبل عمان … سألته لماذا قمت باستصدار جميع هذه الوثائق ؟؟؟ أجابني و هو يرتجف … ” حاب يعرفوا و يزوروا بلدهم ” و بدأت دموعه بالتساقط …
حضر أبو يوسف في المشوار التالي للأردن مصطحباً أولاده و قمت بالتعرف عليهم … طبعاً اللهجة عراقية بامتياز … لكن القلب و الهوى أردنيان … كانوا ينظرون إلى كل شيء في الأردن بشغف و لهفة و عشق … فهم خريجي مدرسة أبو يوسف الوطنية … و قام أحدهم بالإستثمار في الأردن …
سقطت بغداد في 2003 و عمت فيها الفوضى و السرقة و النهب … حمل أبو يوسف و أولاده السلاح و هبوا لحماية السفارة الأردنية في بغداد خوفاً من أن يتم الدخول إليها و سرقة محتوياتها …
تذكرت أبو يوسف اليوم … عندما شاهدت مباني الوطن و ليس المباني الحكومية و دوائره تحرق و يتم تحطيمها والإعتداء على مقدرات الوطن و موجوداته …
أبو يوسف عاش هو و أولاده دهراً بعيداً عن الوطن … لكن حب الوطن ظل ملازماً لهم في كل صباح يطلع على بغداد … أولاده عشقوا الأردن قبل رؤيته … لم يأكلوا من خير الأردن … لم يقفوا في الطابور الصباحي … لم يلعبوا في حارات الأردن … لم يتعللوا في الأردن … لكنهم لبسوا ثوب الوطنية منذ مولدهم و لم ينزعوه في غربتهم …
حمى الله الوطن …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى