وسواس خنّاس / كمال عفانه

وسواس خنّاس
ابن عمي ابو محمد يمتلك محلاً لتصنيع كافّة اشكال الخيرزان … وهي مهنه تحتاج لحرفيةٍ لا بأس بها لأن اتقان التصنيع هو اللذي ينشر سمعة المُنتَج الطيبه ولهذا كان يستقدم في محلّه خيرة من احترفوا تلك المهنه و من اعمارٍ متباعده … فمنهم الشباب ومنهم كبار السن …. وقصتي هذه تدور حول احد كبار السن الموجودين لديه آنذاك واللذي تجاوز الخمسين عاماً … وكما يقول اهل الكار فإن اصابعه (تِتْلف بحرير) كنايةً عن إتقانه المهنه .. ولكنه الى جانب هذه الحرفيه المهنيه العاليه كان عقله كما يقول المثل … (بيضتين على جمل)…
او باختصار (خالع) … كانت ايّامها اجرته الشهريه توازي ما يتقاضاه موظفاً جامعياً
وزياده … فكان يأخذ ما يكفيه لمصروف عائلته ويدخر الباقي عند المعلّم حيث كان ما ينفك يسأله … معلّم… معلم…
قديش صرت محوّش معك … فيقول له كذا وكذا… فيفرك يديه فرحاً كالأطفال …
ويُكمل عمله… وفجأه ودون سابق إنذار يقفز من مكانه نافضاً كل ما بين يديه ويطلب من ابن عمي (المعلم) … كل مدّخراته و اجرته المتبقيه في ذمة صاحب العمل …
ويصر على ترك العمل قائلاً…. لا يا عمي انا شو مشغّلني عند الناس شغّيل … وانا بقدر افتح مشروع واصير تاجر …
يبتسم المعلم وينقده كل مالديه من مدخراتٍ واجر دون ان يُعاتبه على ترك العمل بلا سابق إنذار وان هذا لا يجوز ….
يأخذ صاحبنا كل فلوسه ويخرج مسرعاً من المحل دون ان يودّع احداً… وسط استهجان باقي الزملاء … وتعليقاتهم الإنتقاديه ..
والمعلّم يبقى مبتسماً … وهو يتمتم ..
يومين ثلاث وبرجع … خلّوه على دَلاله…
وانا شاهدته ذات مره وهو غارق في تنفيذ احد مشاريعه …. ويا ليتني ما عرفت هذا المشروع … لقد اشترى ما يزيد عن الف قطعة اسفنج صغيره كانت تستعملها النساء للجلي بعد ان تُلصق عليها ربطة من ليف الجلي المعدني او ما يًسمّى بالسلكه قبل ظهور ليف الجلي الحديثه … ويدور حاملاً على ظهره ذلك الحمل كبير الحجم خفيف الوزن … وكان يبيع القطعه بخمسة فلسات اي (تعريفه) ويقضي نهاره يجوب الشوارع منادياً …
ً بأعلى صوته في حر الشمس … حتّى يجفّ حلقه عطشاً فيتوقف عند احد البقالات ليشتري (كازوزه) … ثمنها يتجاوز العشر قطع اسفنج … وفي نهاية المطاف كانت مبيعاته ولا اقول ارباحه لا تُغـّطّي مصاريفه التجواليه … ومن هنا كازوزه ومن هناك سندويشه على بكيت دخان … حتى يستهلك رأس المال اللذي ادخره على مدى الشهرين الفائتين …
وغالباً ما كان يتعب فيأخذ من إحدى الاشجار إستظلالاً ليغفو شخيراً وعندما يصحوا يجد ان العابثين قد سرقوا حمله من مقوّمات مشروعه الفاشل … فيعود وقد انهكه التعب والجوع الى محل الخيزران ليجلس على مكانه المعتاد وسط شماتة الجميع الا المعلم … لانه كان يشفق عليه …. ويعتبره غلباناً …
يجلس صديقنا يمارس إبداعات صنعته ولكنه في الواقع مشغول التفكير في مشروعٍ جديد …
انا سقت هذه القصه الواقعيه عندما سمعت ان الضمان الإجتماعي يقوم بتشجيع اللذين انتفعوا بمظلة التقاعد المبكّر بالعوده الى العمل وعددهم قرابة المئة الف متقاعد وهذا يعني تطبيق قاعدة التاجر المفلس يفتح دفتر صغائر الديون القديمه … فبعد القيام ببناء مبانٍ للسفارات بقيمة مئة مليون دولار الى ضخ قرابة الربع مليار دينار لإنعاش اسهم الملكيه
وبين هذه وتلك شراء قطع اراضٍ لأحد كبار المسؤولين بأسعار تتجاوز اثمانها الحقيقيه بمبالغ خياليه … ونخشى ان يكون المخفي اعظم
نرجوا الله ان يُبعد وسواس الفاسدين الخنّاس عن (مصريّات ضماننا) والضمان بالله… خلينا (نقظي) تالي هالعمر بشوية كرامه بلاش نحوم نشحد عيني عينك … ـــ كمال عفانه > 1 حزيران 2016
Kanalafaneh@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى