مفاتيح السعادة -6- معرفة الجنّة

#مفاتيح_السعادة -6- معرفة الجنّة

ماجد دودين

تعال معي عزيزي القارئ لنرى أحوال أهل الخير ونسأل الله أن تكون منهم … ولنتحدث عن المفتاح السادس من مفاتيح السادة وهو يمثّل المعرفة السادسة التي هي تمثل ثمرة ما نزرع في الدنيا … فإن زرعنا الصالحات والخيرات والحسنات فسنحصد برحمة الله الجنّات …

“إنها الجنة بأنفسها الرضيّة النديّة تتجلى عليها طلعة الرحمان الجليلة البهية.

مقالات ذات صلة

وقد فصّل الله متاع الجنة التي أعدت للمؤمنين، ووراءها متاع يعرفونه هناك يوم يتهيؤون لإدراكه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر …

وبرحمته وكرمه ورضوانه وإحسانه جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلاً … ويسّرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلاً …

يخاطبهم ربهم ويُسْمِعهم لذاذة منطقه … وما أروعه من خطاب! ” يا أهل الجنّة … فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك… فيقول هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تُعْط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ” … ويقول لهم … لأهل النعيم المقيم ” تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدْخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أُعطوا شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم: ” فيا قرّة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة ويا ذلّة الراجعين بالصفقة الخاسرة: ” وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظنّ أن يُفعل بها فاقرة “

إنها صورة الجزاء الرفيع الخالص الفريد … الجزاء الذي تتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة، والإعزاز الذاتي والإكرام الإلهي والحفاوة الربانية بأصحاب النفوس المطمئنة … يا الله! كم ذا يفيض الله على عباده من كرمه! وكم ذا يغمرهم سبحانه بفضله! ومن هم حتى يتولى الله جلّ جلاله إعداد ما يدّخِره لهم من جزاء، في عناية ورعاية وودّ واحتفال؟ لولا أنه فضل الله الكريم المنان، فضل الله الكريم حتى يفتح أبواب رحمته الواسعة، أبواب الجنان ” …

وهناك يسمع أهلها نداء المنادي:

“إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً …

وإنّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا …

وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً …

وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً “

إنه التأمين الشامل الدائم السرمدي … حياة بلا موت … وصحّة بلا سقم … وشباب بلا هِرم … ونعيم بلا بؤس … يأكلون الثمار … ويعيشون مع زوجاتهم المؤمنات ومع الحور الأبكار … ويجلسون بجانب الأنهار … تحت الأشجار … ويأكلون لحوم الأطيار … وينظرون إلى وجه العزيز الجبار …* جمال المرأة المؤمنة في الجنة مائة ضعف جمال الحور العين

“كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة. وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة “

“هذه الوجوه الناضرة، نضرها أنها إلى ربها ناظرة ، إلى ربها ، فأي مستوى من الرفعة هذا ؟ أي مستوى من السعادة؟

إنّ روح الإنسان لتستمتع أحياناً بلمحة من جمال الإبداع الإلهي في الكون أو النفس، تراها في الليلة القمراء … أو الليل الساجي … أو الفجر الوليد … أو الظل المديد … أو البحر العباب … أو الصحراء المنسابة … أو الروض البهيج أو الطلعة البهية … أو القلب النبيل … أو الإيمان الواثق … أو الصبر الجميل … إلى آخر مطالع الجمال في هذا الوجود، فتغمرها النشوة وتفيض بالسعادة، وترف بأجنحة من نور في عوالم مجنّحة طليقة. وتتوارى عنها أشواك الحياة وما فيها من ألم وقبح، وثقلة طين وعرامة لحم ودم، وصراع شهوات وأهواء.

فكيف؟ كيف وهي تنظر – لا إلى جمال صنع الله – ولكن إلى جمال ذات الله! ألا إنه مقام يحتاج أولاً إلى مددٍ من الله. ويحتاج ثانياً إلى تثبيت من الله ليملك الإنسان نفسه، ويستمتع بالسعادة التي لا يحيط بها وصف، ولا تتصور حقيقتها إدراك.” وجوه يومئذٍ ناضرة ” ومالها لا تتنضّر، وهي إلى جمال ربها تنظر؟ إنّ الإنسان لينظر إلى شيء من صنع الله في الأرض، من طلعة بهية، أو زهرة ندية، أو جناح رفاف، أو روحٍ نبيل أو فعل جميل فإذا السعادة تفيض من قلبه على ملامحه، فيبدو فيها الوضاءة والنضارة. فكيف بها حين تنظر إلى جمال الكون مطلقاً من كل ما في الوجود من شواغل عن السعادة بالجمال؟ فما تبلغ الكينونة الإنسانية ذلك المقام، إلا وقد خلُصت من كل شائبة تصدرها عن بلوغ ذلك المرتقى الذي يعز عليه الخيال! وكل شائبة لا فيما حولها فقط، ولكن فيها هي ذاتها من دواعي النقص والحاجة إلى شيء ما سوى النظر إلى الله.

فأما كيف تنظر؟ وبأي جارحة تنظر؟ وبأي وسيلة تنظر؟ فذلك حديث لا يخطر على قلب يمسه طائف من الفرح الذي يطلقه النص القرآني، في القلب المؤمن، والسعادة التي يفيضها على الروح، والتشوف والتطلع والانطلاق!

فما بال أُناس يحرمون أرواحهم أن تعانق هذا النور الفائض بالفرح والسعادة؟ …”

إنّ الجنة أروع حسناء …

ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر …

وهذا – عمير بن الحمام الأنصاري – الذي عرف نعيم الجنة يستكثر على نفسه أنْ يعيش ليأكل تمرات بل يُلقيها بعيداً ويقول: ” لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ” إنّ الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال: ” إذْ كيف يقدّر قدرُ دارٍ غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبائه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص، فإنْ سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر ، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر . وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألت عن شجرها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب. وإنْ سألت عن ثمرها فأمثال القِلال ألين من الزبد وأحلى من العسل، وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل. وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمرة لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفّى. وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، وإن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير. وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعيْن مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها. وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المُجدّ السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها، وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفيْ عام، وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام وإن سألت عن أعمارهم فأبناء ثلاث وثلاثين وصورتهم على صورة آدم عليه السلام أبي البشر. وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منهما خطاب رب العالمين. وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب إن شاء الله مما شاء تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان … وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون … وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب … لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً – ريح مسك-، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن منْ على ظهر الأرض بالله الحي القيوم … فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها ” 

      وحين أيقن الصحابة حق اليقين الجنة وعرفوها حق المعرفة تعلقت قلوبهم بنعيمها فباعوا الدنيا وما فيها ودفعوا المهر ” الأنفس والأموال ” … ولقد قالها أنس بن النضر رضي الله عنه ” إنّي لأجد ريح الجنة من دون أحد ” لقد شمّ ريح الجنة وعبيرها وهو على الأرض من شدة شوقه إليها … إنها صفقة ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ” صفقة بين الخالق والمخلوق … بين الرازق والمرزوق … بين الغني والفقير … بين الله وعبد الله … وأعقل العقلاء وأذكى الأذكياء وأكثر الناس فقهاً وعلماً وفهماً لطبيعة الأشياء هم الذين يتاجرون مع الله ” ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ” … ثم ماذا ؟ ” وذلك هو الفوز العظيم ” …

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى