مفاتيح السعادة -5 – معرفة يوم القيامة

#مفاتيح_السعادة -5 – معرفة يوم القيامة

#ماجد_دودين

ينتهي سفر وتنتهي مرحلة أو محطة لنبدأ الحديث عن المعرفة الخامسة من معارف النجاح والسعادة ومفاتيحها وهي معرفة يوم القيامة … ومعرفة أهواله …

    إننا مسافرون إلى الله … من مرحلة إلى أخرى … ومن محطة إلى أخرى …

فالسفر الأول: سفر السلالة من الطين.

والسفر الثاني: سفر النطفة من الظهر إلى البطن.

والسفر الثالث: من البطن إلى الدنيا.

والسفر الرابع: من الدنيا إلى القبور.

والسفر الخامس: من القبور إلى العَرضِ للحساب.

والسفر السادس: من العرض إلى منزل الإقامة …

وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يبكي حين حضرته الوفاة!!!

قالوا ما يبكيك؟

قال: بُعد السفر وقلة الزاد!

ويصف ضرار بن ضمرة علي بن أبي طالب في خلافته بعد وفاة عليّ لمعاوية، ويقول: ” إنه ليستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان – والله – غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه … ويستمر في وصفه إلى أن يقول: ” وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سجوفه وغادرت نجومه، وقد مَثُل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم – اللديغ -، ويبكي بكاء الحزين، وكأنّي أسمعه وهو يقول: ” يا دنيا أبي تعرضت، أم لي تشوّفت؟ هيهات هيهات؟ غُرّي غيري، قد بتتّك ثلاثاً لا رجعة لي فيك.. .فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير … آه مِنْ قلــّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق”  

  والله كلما قرأت هذه الكلمات قلت في نفسي: ” إذا كان هذا حال الخليفة الراشد … الخليفة المهدي … الصحابي المبشّر بالجنة … الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله … يشكو قلة الزاد! فأين زادنا؟ ويشكو بعد السفر! فكيف سيكون سفرنا؟ ويشكو وحشة الطريق! فمـــــا الذي يؤنسنا؟! …

ولكن لا عجب … لأنه عرف عظمة الله حق المعرفة! نعم … الآخرة … والبعث … والجزاء … والحساب … والميزان … والحوض … والصراط … والجنة … والنار مراحل لا بد من المرور بها في سفرنا ورحلتنا …

  “والله لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتُجْزونَّ بالإحسان إحساناً ، وبالسوء سوءاً، وإنها لجنة أبداً ، أو لنار أبداً “ .

   وحتى لا ننسى نتدرّب في كل يوم على الموت حين ننام فنقول وندعو: باسم اللهم نموت ونحيا… ونتدرب على البعث والنشور في كل يوم حين نستيقظ من النوم وندعو كما علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم: ” الحمدُ لله الذي أحيانا مِن بعد ما أماتنا وإليه النشور ” رواه البخاري

فتعال معي نستمع إلى الإمام المحاسبي يصف لنا مراحل ومشاهد اليوم الآخر : ” … ثم بعد ذلك الفناء والبلاء حتى تتقطع الأوصال وتتفتت العظام ويبلى جسدك ويستمر حزنك فيا حسرة روحك وغمومها وهمومها … حتى إذا تكاملت عدة الأموات وقد بقي الجبار الأعلى منفرداً بعظمته وجلاله وكبرياءه ثم لم يفاجئك إلاّ نداء المنادي للخلائق للعرض على الله جل وعلا … ” واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ، يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ” يأمر الله ملكاً أن ينادي على صخرة بيت المقدس : أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة إنّ الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء “.

فتصور وقوع الصوت في سمعك ودعائك إلى العرض على مالك المُلك فيطير فؤادك ويشيب رأسك للنداء لأنها صيحة واحدة للعرض على الرب جل وعلا ” فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ” فبينما أنت في فزع من الصوت إذ سمعت بانشقاق الأرض فخرجت مغبراً من غبار قبرك قائماً على قدميك شاخصاً ببصرك نحو النداء ” خُشّعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث “.

فتصور تعرّيك وذلّك وانفرادك بخوفك وأحزانك وهمومك وغمومك في زحمة الخلائق خاشعة أبصارهم وأصواتهم ترهقهم الذلةُ ” وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلاّ همْسا ” … ثم تصور إقبال الوحوش من البراري منكسة رؤوسها لهول يوم القيامة فبعد توحشها وانفرادها من الخلائق ذلّت ليوم النشور ” وإذا الوحوش حُشرت” …

وتصوّر تكوير الشمس وتناثر النجوم وانشقاق السماء من فوق الخلائق مع كثافة سمكها فيا هول صوت ذلك الانشقاق … والملائكة على حافات ما يتفطر من السماء ” وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها “

فتصور وقوفك مفرداً عريانا حافياً وقد أُدْنيت الشمس من رؤوس الخلائق ولا ظل لأحدٍ إلاّ ظل عرش رب العالمين، فبينما أنت على تلك المزعجة أشتدّ الكربُ والوهج من حرِ الشمس ثم ازدحمت الأمم وتدافعت وتضايقت واختلفت الأقدامُ وانقطعت الأعناق من شدة العطش والخوف العظيم.

وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس وازدحام الأجسام والعطش تضاعف، ولا نوم ولا راحة وفاض عرقهم على الأرض حتى استنقع ثم ارتفع على الأبدان على قدر مراتبهم ومنازلهم عند ربهم بالسعادة أو بالشقاوة. وأنت لا محالة أحدهم فتوهم نفسك لكربك وقد علاك العرق والفزع والرعب الشديد والناس معك منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء ” وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ” …

فتصور أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم منفرد كل واحد بنفسه ينادي: نفسي نفسي ” يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ” ” يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه…” فتصور نفسك وحالتك عندما يتبرأ منك الولد والوالد والأخ والصاحب لِما في ذلك اليوم من الخوف والفزع والرعب والذعر والأهوال … ولولا عِظَمُ هول ذلك اليوم ما كان من الكرم والمروءة والحفاظ أن تفر من أمّك وأبيك وأخيك وبنيك ولكن عِظَمَ الخطر وشدة الكرب والهول اضطرك إلى ذلك فلا تُلام على فرارك منهم ولا لوم عليهم إذا فروا منك ” لكل أمرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه ” …

ثم تصور الميزان وعظمته وقد نُصب لوزن الأعمال وتصوّر الكتب المتطايرة في الأيمان والشمائل وقلبك واجفٌ مملوءٌ خوفاً متوقع أين يقع كتابك في يمينك أو في شمالك أو من وراء ظهرك.

فالأتقياء يُعْطَون كتبهم بأيمانهم والأشقياء بالشمال أو من وراء الظهر ” فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ” ” وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا ” …

فيا لها من مواقف ويا لها من أهوال ويا لها من خطوب مجرَّد تَصوُرُها يبكي المؤمن بها حقاً …

وتصور الصراط وهو الجسر المنصوب على متن جهنّم قُدَّامك… وتصوّر ما يحل بك من الوجل والخوف الشديد حين رفعت طرفك فنظرت إليه بدقته ودحوضه وجهنم تضطرب وتتغيّض وتخفق بأمواجها من تحته …

ثم قيل لك وأنت تنظر إلى الجسر بفضاضته وفضاعته، وقيل للخلق معك اركبوا الجسر الذي هو الصراط … 

فتصور حالتك وخفقان قلبك ورجفان جسمك مما عانيت من الكروب والشدائد والأهوال وقلة المأكل والمشرب والراحة … فتصوّر مرورك على الجسر بضعفك وثقلك وأوزارك وأنت حاملها على ظهرك … وأنت مندهش مما تحتك وأمامك ممّن يئنون ويزلون وقد تنكّست هاماتُهم …

وتصور الميزان حين لا يذكر أحدٌ أحداً فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ذكرتُ النار فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يُبكيكِ؟ قلتُ ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال: أمّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحداً: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز ” إنَّ الذين تخف موازينهم يخسرون كل شيء … فقد خسروا أنفسهم …” ” فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ” … وحين يخسر الإنسان نفسه فماذا يملك إذن؟ وما الذي يتبقّى له. وقد خسر نفسه التي بين جنبيه، وخسر ذاته التي تميزه … كأنما لم يكن له وجود …

فلتنظر نفس ما قدمت لغد … وليصْغ قلب إلى النذير … وليبادر الغافلون المعرضون المستهزئون قبل أن يحق النذير في الدنيا أو في الآخرة …

نعم … البعث … والنشور … ونفخة الصور … والأهوال في الكون … وأحوال الأرض والجبال والسماء يوم القيامة … والحشر … والسؤال والاستجواب … وشهادة الحق … والحساب … والجزاء والعرض والقضاء … وطلب الفداء … والميزان … ورقابة الله … والتسجيل والإحصاء الدقيق … والصراط … والشفاعة لمن يستحقها … والحوض … كل هذه المواقف والمشاهد سنعيشها وليس بيننا وبينها إلا الموت والنفخ في الصور ” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد”…

فإذا طلعت عليك شمس يوم من أيام الدنيا بعد نومٍ مستغرق. فاذكر أن هناك يقظةً، سوف تعقب الهجعة المؤقتة في القبر، يُساق بعدها أهل الشر إلى سقر، ويُساق أهل الخير إلى ” مقعد صدق عند مليك مقتدر “القمر 55

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى