معلّمٌ وأعظم معلّم وقدوة كلّ معلّم”

معلّمٌ وأعظم معلّم وقدوة كلّ معلّم”

#ماجد_دودين

من على مقاعد الدراسة يتخرّج الملك والرئيس والوزير والصحفي والطبيب والضابط والمهندس والمحامي والجندي …الخ ويكفي المعلّم فخراً أن يكون معلّماً وأن يبقى معلّما وأن يعيش معلّما وأن يموت معلّما…وقد ورد أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال لأصحابه: ((إنّما بُعثت معلّما)) إنّه التكريم للعلم والعلماء، وللذين يقومون بدور التعليم.. فإنّه يسمّي النبي معلماً.. وبذا ينقل مهام النبوة إلى الإنسان #المعلم.. إلى العالم والداعية إلى الله سبحانه، وحامل العلم والوعي والثقافة الهادية.. إنها الكلمة المضيئة في عالم الظلام، والنبراس الهادي في متاهات الجهل، يريد للإنسان المسلم أن يكون عالماً قبل أن يكون عابداً.. يفضل له الاشتغال بالعلم على العبادة، بل العالم هو الهادي إلى طريق الخير والعبادة ومعرفة الله سبحانه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا.) رواه مسلم.

لا ريب أن مهمة #النبي والرسول إنما هي تعليم أمته ودلالتهم على الخير قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].

{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة:151].

يقول معاوية بن الحكم: (ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه)

النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معلم:

ترى الدراسات التربوية أن أفضل طرق قياس مستوى المعلم تقييم طلابه، ولو اعتمدنا هذه الدراسات لتوصلنا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أعظم مربٍ ومُعلّم، فعن طلابه وتلاميذه قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].

شمائل النبي التي يحتاجها كل معلم:

لا ريب أن شمائل النبي وأخلاقه العظيمة من الكثرة بمكان، ونعرض هنا للشمائل التي يحتاجها كل معلم يود أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمته التعليمية والتربوية.

الحرص

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128]

الرفق واللطف في التوجيه:

(إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) وفي مسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا شانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)

التواضع:

مما ينبغي على المعلم أن يتواضع لطلابه، فيرعى حال ضعيفهم، وقد يخصه بمزيد بيان وشرح ووقت.

كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُراعي أحوالَ النَّاسِ وظُروفَهُم، ويُيسِّرُ عليهِم؛ فقدْ كان رَفيقًا بالمسلمين، مُشفِقًا عليهم، خافضًا جَناحَه لهم.

قال أبو رفاعة انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال، فقلت: يا رسول الله: رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه، قال: ((انْتَهَيْتُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يَخْطُبُ، قالَ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ، لا يَدْرِي ما دِينُهُ، قالَ: فأقْبَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَأُتِيَ بكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قالَ: فَقَعَدَ عليه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي ممَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فأتَمَّ آخِرَهَا.) رواه مسلم.

الإجابة عما يترجح عنده جهل طلابه به، وذلك بذلاً منه للعلم عند أهله، وقد يجيب عما يراه يجيش في صدورهم من المسائل وإن لم ينطقوا به

)) سألَ رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ و سلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ إنَّا نركَبُ البحرَ ونحملُ معنا القليلَ من الماءِ فإن تَوضَّأنا به عَطِشْنا أفنتوضَّأُ من ماءِ البحرِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ و سلَّمَ هو الطَّهورُ ماؤهُ، الحلُّ ميتتُه((

فقوله: ((الحل ميتته)) زيادة علم أفاد بها رسول الله السائل عن حكم الوضوء من ماء البحر، ومن جهل هذه كان بتلك أجهل.

وقال يوماً لأصحابه: ((يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا؟ مَن خَلَقَ كَذَا؟ حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ.)) رواه البخاري.

التريث في الإجابة عن السؤال، وترك القول بلا علم.

{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. [الإسراء 36]

سأل جابر بن عبد الله النبي فقال: ((يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ أصْنَعُ في مالِي؟ كيفَ أقْضِي في مالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بشيءٍ حتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المَوارِيثِ.)) رواه البخاري

كيفية التعامل مع المخطئين والمقصرين:

ولما كان القصور والخطأ والجهل أمراً معهوداً في الأبناء والطلاب فإننا نتساءل كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أمثال هذه الحالات، وفي هذه الأمثلة نقرأ الإجابة وتستلهم المنهج.

تقول عائشة رضي الله عنه: ((ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شَيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ؛ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.)) رواه مسلم

كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعلِّمًا رَحيمًا، ومُؤدِّبًا رَفيقًا، ومُربِّيًا حَليمًا، فكانَ إذا رأى خَطأً لا يُعنِّفُ ولا ويَزجُرُ ولا يُنفِّرُ، وإذا رأى صَوابًا مدَحَهُ، وأثْنى عليهِ وشَكرَ له.  ففي الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه:- بيْنَما نَحْنُ في المَسْجِدِ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. إذْ جاءَ أعْرابِيٌّ فَقامَ يَبُولُ في المَسْجِدِ، فقالَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَهْ مَهْ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حتَّى بالَ، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ دَعاهُ فقالَ له: إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ، أوْ كما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: فأمَرَ رَجُلًا مِنَ القَوْمِ فَجاءَ بدَلْوٍ مِن ماءٍ فَشَنَّهُ عليه. رواه مسلم

وفي رواية للترمذي أنه قال لأصحابه: ((فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ))

قصة الشاب الذي جاء يستأذن رسول الله بالزنا فزجره الصحابة ((إنَّ فَتًى شابًّا أتى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي بالزِّنا، فأقبَلَ القَومُ عليه فزَجَروه وقالوا: مَهْ، مَهْ! فقال صلى الله عليه وسلّم: ادْنُهْ، فدَنا منه قَريبًا، قال: فجَلَسَ، قال: أتُحِبُّه لأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأُمَّهاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لابنتِكَ؟ قال: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لبَناتِهم، قال: أفتُحِبُّه لأُختِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأَخَواتِهم، قال: أفتُحِبُّه لعَمَّتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لعَمَّاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لخالتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لخالاتِهم، قال: فوَضَعَ يدَه عليه وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قَلبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه، قال: فلمْ يَكُنْ بعدَ ذلك الفَتى يَلتفِتُ إلى شيءٍ.))

سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوسائل التي يتنادى إليها التربويون اليوم ومن ذلك.

  • ضربه صلى الله عليه وسلم الأمثال: وهو كثير، منه تشبيه المؤمن بالنخلة والمجتمع بالسفينة والصاحب السيء بنافخ الكير
  • تحفيز الأذهان بالسؤال: وهو كثير، منه قوله: (أتدرون ما المفلس…). وقوله: (أتدرون ما الغيبة…).
  • تحفيز الأذهان بذكر معلومة أو خبر لم يذكر مقدمه أو أوله، وله أمثلة كثر منها: قال: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف. قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة
  • قلة الكلام وإعادته وتكراره ليتمكن في قلب السامع.

تقول عائشة رضي الله عنه: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العد أن يحصيه أحصاه)

ويقول أنس رضي الله عنه: (كان إذا سلم سَلّمَ ثلاثاً، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً). وفي رواية أخرى للبخاري زاد (حتى تفهم منه)

هذا هو أملنا في المعلمين والمعلمات أن يقتدوا بأعظم معلّم وخير معلّم وأن يتذكّروا دوماً حديث الحبيب صلى الله عليه وسلّم: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً وميسراً) رواه مسلم. وأن يتحلّوا بالشمائل الكريمة وعلى رأسها الحرص على فلذات الأكباد وثمرات الفؤاد والتواضع وعدم كتمان العلم والتحقق من المعلومات وعدم القول بلا علم واستخدام الوسائل النافعة والناجحة في نقل المعلومات إلى الدارسين بأمانة وكفاءة وإخلاص.

ليكن شعارنا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ولنتحاور ونتعاون على البر والتقوى ولنبتعد عن أي إثم أو عدوان ولنعش بالحب دون أن ندخل في اختلافاتنا حرف الراء بين الحاء والباء … حب لا حرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى