معجزة وعبرة في الأنْعام

#معجزة وعبرة في #الأنْعام – #ماجد_دودين

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ”. 66-سورة النحل.

كم هو عظيمٌ أن نتفكّرَ في مخلوقاتِ الله فإنّ هذا يدلُّ على عظيمِ قدرةِ الله سبحانه وتعالى، فالله عزَّ وجلَّ هو الذي جعلَ لنا في الأنعام عبرةً يُسقينا مما في بطونها، والأنعام هي الإبِلُ والبقر والغنم، يُسقينا ربُّنا تبارك وتعالى، القادرُ على كلِّ شيءٍ، مما في بطون هذه الأنعام لبنًا أي حليبا من بين فَرْثٍ ودم، وهنا تأمّل معي واسمعْ جيّدا واخشع في قلبك لله العزيز الجبار، فالفَرْثُ هو ما في الكَرِشِ، والحليبُ الذي يخرجُ من بطونِ الأنعامِ لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، من أينَ يخرج؟ يخرج من بين الفرْثِ والدمِ الّذَيْنِ يُحيطانِ به، وبين هذا الحليبِ وبين الفرث والدمِ بَرْزَخٌ، والبرزَخُ هو الحاجزُ بين الشيئينِ، لا يَبْغِي أحدُهما على الآخر، أي لا يتعدَّى أحدُهما على اللبن، لا يتعدى الفرثُ ولا الدمُ على اللبنِ لا بلونٍ ولا بطعمٍ ولا برائحة، بل هو خالصٌ من ذلك كلِّه، فسبحان الله العظيم.

“وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ”. فإذا أكَلَتِ البهيمةُ العلفَ فاستقرّ في كَرِشِها، طَبَخَتْهُ فكانَ أسفلُه فَرْثًا وأوسطُهُ لبنًا وأعلاه دمًا كلُّها متصلةٌ ولا تختلط، الله سبحانه تعالى يحجز هذا عن هذا، والكبِدُ مُسلطةٌ على هذه الأصنافِ الثلاثة، تُقَسِّمُها فيجري الدمُ في العروق، واللبنُ في الضُّروعِ ويبقى الفَرْثُ في الكرِشِ ينحدرُ، وفي ذلك عبرةٌ لمن يعتبر، فخُذوا العبرةَ يا أصحابَ العقول تشربون لبنًا خرجَ من بطونِ الأنعامِ التي لا تَعقِلُ، وقد اكتَنَفَهُ أي أحاطَه الفرثُ والدم، ولكنَّ الفرثَ والدمَ لم يختلطا باللبنِ الذي خرجَ شرابا سائغا سَهلَ المرور في الحلْق، والله تعالى جعلَ لنا فيه شفاء، كيفَ لا وقد أخبر الصادقُ والمصدوق صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف:” عليكُم بألبانِ الإِبِلِ والبقرِ فإنها تَرُمُّ مِنَ الشَّجَرِ كُلِّهِ وهو دواءٌ مِن كلِّ داء” رواه ابنُ عساكرَ وصحّحه السيوطيّ، تَرُمُّ أي تأخذُه بشَفَتِها أي كنايةً عن الأكلِ، وجاء في الحديث أيضا:” إنّ في أبوالِ الإبِلِ وألبانِها شفاءً للذَّرِبَةِ بطونُهم” مسند أحمد 1/ 293، برقم: 2677، وقال فيه شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره. للذَّرِبَةِ بطونُهم أي الذين فَسَدتْ بطونُهُم.

مقالات ذات صلة

أحثُّكُم على التفكرِ بمخلوقات الله، فكثيرٌ من الناسِ عندما يشربون اللبنَ الخارجَ من الأنعامِ، أي الحليب، لا يخطُرُ في بالهم، لا أينَ كانَ ولا كيف كان، ولا كيف خرج، بل همُّهم إشباعُ شهوةِ بطونِهِم بل ولا يشكرونَ الله على هذه النعمةِ العظيمة التي جعلَ الله لنا فيها شفاءً. وهنا فائدةٌ جليلةٌ أحُثُّكم على العملِ بها، فقد روى أبو داودَ في سُننه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:” إذا أكَلَ أحدُكم طَعامًا، فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وأطْعِمْنا خَيرًا منه، وإذا سُقيَ لَبَنًا، فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وزِدْنا منه، فإنَّه ليس شَيءٌ يُجزِئُ من الطَّعامِ والشَّرابِ إلَّا اللَّبَنُ”.

تفكّر في مخلوقاتِ الله في الحليب الخارجِ من بطونِ الأنعام، وفي المطرِ النازلِ منَ السماء، وفي السمكِ الذي في البحار، وفي مجرى الأنهار، ورائحةِ الأزهار، تَفكّر في نفسِك، فأنت دليلٌ على كمالِ قدرة الله.تفكّر واعتبر كيف يخرج اللبن خالصا من بين الفرث والدم فلا تقبل ولا ترضى أن تشرب لبنا خالطه فرث أو دم بل تريده نقيا خالصا بلا شوائب… وكذلك الأعمال يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى من بين أربعة أعداء هم النفس والدنيا والشيطان والهوى… فالله له المثل الأعلى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا نقيا صوابا حسنا… قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.

فيا عجبا كيف يُعصى الإلهُ أم كيفَ يجحده الجاحدُ

وفي كـلِّ تحريكةٍ ءايـةٌ وفي كلِّ تسكينةٍ شاهـدُ

وفي كـلِّ شيءٍ له ءايـةٌ تَدلُّ على أنـه واحـدُ

ربِّ إني أسألُكَ الثباتَ على أفضلِ وأعظمِ نعمةٍ، نعمةِ الإيمان، والثباتَ على دينِ الإسلام، إنكَ على كلِّ شيءٍ قدير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى