الموازي لرسوم الموازي في الجامعات.. (ولو ان) / طاهر العدوان

الموازي لرسوم الموازي في الجامعات.. (ولو ان)
اعتصام طلبة الجامعة الاردنية ضد رفع رسوم دراسات الموازي يسلط الضوء مجددا على ازمة الجامعات في البلاد فهي ليست ازمة وعي وطني فقط ،كما أظهرتها الصدامات الطلابية على خلفيات التعصب العشائري ، انما هي ازمة تعليم وازمة مجتمع واخيرا ازمة مالية مستفحلة . وفي كل مرة اتيحت لي الفرصة بالالتقاء بوزير سابق تسلم حقيبة التعليم العالي او باستاذ شغل منصب رئيس جامعة رسمية وغيرهم من أعضاء هيئات تدريسية اسمع التذمر من اوضاع الجامعات مختلطا بافكار لاصلاح التعليم لم تجد لها مكانا للبحث والدراسة والتنفيذ ، فالتعايش مع مشاكل الجامعات اصبح هو الحل بدون الاكتراث الى تراكمها حتى وصلت حد الاستعصاء على اي حل .
استحداث الموازي بالجامعات مثال على الحلول العقيمة ، وعلى النوع منها الذي يعقد المشكلة ، والاهم انها تجسد حالة اللامساواة القائمة بين الطلاب وتغذي المشاعر الجهوية والطبقية بين صفوفهم . وهي في أحسن الاحوال قد ادخلت الجامعات الرسمية في بورصة التجارة على حساب أهداف التعليم العالي وذلك بحجة اغراء الأهالي الراغبين بارسال ابنائهم الى الجامعات الاجنبية بإنفاق اموالهم في الداخل عن طريق ايجاد مقاعد الموازي ( برسوم دراسة أغلى من الرسوم العادية وأقل من تكلفة التعلم في الخارج) ، مع اننا كافراد ومجتمع ودولة بحاجة دائمة للانفتاح على التعليم العالي في جامعات العالم من اجل اكتساب الجديد والمختلف من العلوم والمعارف لان مردود ذلك ، المباشر وغير المباشر ، كبير على النمو والتنمية . وكان على القائمين على سياسة التعليم العالي ان يشجعوا المقتدرين على تدريس ابنائهم في الخارج لتعويض النقص في قوائم الابتعاث الى اوروبا وامريكا التي كانت قائمة في سنوات ماضية .
في السابق قيل في قوائم القبول بالمكرمة الملكية ،التي تقتطع اكثر من ربع مساحة القبول ، متخطية شروط التنافس الحر ، بانها تميز بين طالب وآخر حسب الجهوية والمكان والمهن ، بالمقابل يقال في (الموازي ) بانه يميز بين الطالب القادر ماديا وبين غيره بمنحه مقعدا لا يستطيع الحصول عليه بالتنافس . واذا كانت الحجة الرسمية في الدفاع عن المكرمات تُبنى على مقولة انصاف ابناء المحافظات والبادية والمخيمات ، لأنه لم تتح لهم فرصة الحصول على التعليم المناسب بسبب ضعف مستوى التعليم في المدارس الحكومية او في اختصاصات المعلمين ، فان الحجة المقابلة الخاصة باستحداث ( دراسة الموازي ) تندرج تحت معالجة الازمة المالية للجامعة باستغلال أهالي الطلبة القادرين ماديا ، الاثرياء منهم ، او المستعدين للاقتراض من البنوك لتعليم ابنائهم الطب والهندسة . وفي كلا الحالتين نحن امام نظام تعليمي جامعي يرسخ نهج اللامساواة بين طلاب البلد الواحد على أسس انتماءات اجتماعية و جغرافية او الغنى والفقر ، بينما من المفترض ان تكون الجامعة ، خاصة الرسمية ، ساحة لتعلم القيم الانسانية ، ومنها قيم المساواة وتساوي الفرص والتنافس الحر .
ومن دراسة الموازي الى الموازي من مظاهر الأزمات الاخرى في الجامعات وحولها ، خاصة الجامعات المنتشرة في العاصمة ، فترى انها تحولت الى كراج ومواقف ، ساحاتها والشوارع المحيطة بها تمتلئ بالاف السيارات التي يمتلكها الطلبة ، وهو مشهد لا تجده في جامعات الدول الغنية . و يكشف عن خلل آخر في مناخات التعليم العالي و في بنية التخطيط العامة للدولة الموجهة للتنمية ، مؤشرة بذلك على تدني مستوى ادارة الموارد البشرية فعمت الاتكالية ، وغابت عادات العمل والإنتاج بين الشباب ، وضعفت الارادة بين صفوفهم ، فلا جهد يبذل في التحصيل ولا مثيله في الحياة ايضا . الطلبة يتخرجون وهم مشبعون بمفاهيم الطبقية والاختلاف اثناء دراستهم ، من طرق القبول الى التفاوت في وسائل المواصلات ، من طلاب يستخدمون باصات النقل العام الى اخرين يتنافسون في موديلات سياراتهم الحديثة ، مفاهيم تقول بان الغنى والفقر امران لا يرتبطان بالذكاء و القدرة على التفوق الدراسي انما بمركز الأب والعائلة وبما يملك او لا يملك .
واذا كان الحديث عن الجامعات لا ينتهي فاني اختصره ببعض التصورات (من باب لو ان ) :
١- لو ان الجامعات تبادر ، او تشجع شركات من القطاع الخاص لتسيير حافلات ركاب كبيرة خاصة بالطلاب على مختلف الخطوط ، فانها ستحل مشاكل ازدحام السير الكبيرة في العاصمة . مثال : ان تسيير ١٠٠ حافلة تُقل ٢٥٠٠طالب ستؤدي الى اخراج ٢٥٠٠سيارة صغيره للطلاب من الشوارع ، بالاضافة الى نصف او ربع هذا العدد من سيارات التكسي . وطبعا هذا لا ينجح الا فرض اجرة مرتفعة على من يرغب في الوصول الى الجامعة بسيارته الخاصة وركنها في المواقف والشوارع المحيطة ، اجرة موقف لا تقل عن خمسة او عشرة دنانير كما هو معمول بالعواصم الكبرى التي تجبر الجميع على استخدام وسائط النقل العامة مثل القطارات والإنفاق . مثل هذه الحلول ضرورية بوجود الباص السريع او عدمه . ومن منافعها دفع الطلبة الى استخدام اقدامهم بالمشي او بالانتظار على المواقف ، فالشعور بالتعب والمساواة بين الطلبة في الحياة الجامعية افضل لصحتهم النفسية والجسدية ، وأفضل من العيش بالأوهام الخادعة مثل الاعتقاد ان قيمة الشاب هي في نوع السيارة التي يصل بها الى الجامعة ، حيث ترى البعض منهم يقودها وكأنه يركب فرساً في الميدان . قليل من التعب ومن الجهد لأبنائنا قد يعوض بعض ما يخسرونه في غياب خدمة العلم العسكرية .
٢- لو ان شوارع الجامعة الاردنية الداخلية تفتح امام المرور العام ، بحيث يستخدمها المواطنين للانتقال من منطقة الى اخرى فلماذا هذا الاغلاق لمساحة كبيرة في قلب عمان ؟. . كليات اكبر وأعظم جامعات العالم تقع على الشوارع العامة . فيما يختنق سكان الجبيهة وضاحية الرشيد بالازدحامات اليومية على المداخل الرئيسية لأحيائهم ، بسبب الازدحامات الناجمة عن مرور واصطفاف الاف السيارات التابعة للجامعة وطلابها ، سكان هذه المناطق ، او العابرون منها ، مجبرون على الدوران من خلف أسوار الجامعة او الانتظار الطويل على مداخلها وبواباتها الشمالية والشرقية . واتصور بان فتح الجامعة جغرافيا على المساحات والبيئات التي حولها من عمان ، سيدخل غابتها الخضراء الجميلة في دائرة الاهتمام والعناية بأرضها الزراعية الخصبة ، لتتحول الى منتزه عام ومتنفس لاهالي المنطقة . وفي كل مرة امر فيها بجانب أسوار الجامعة احزن على مشاهد شيخوخة الاشجار وعطش تربتها للرعاية .
٣- ولو ان المكرمات الملكية في القبول كانت منذ البداية محددة بفترة زمنية ، مقترنة بخطة مالية وإدارية لتطوير التعليم الابتدائي والثانوي في المحافظات والبادية ، لربما كانت مديونية الجامعات وعجز موازناتها اقل مما هي عليه بكثير ، وذلك باقامة معاهد للمعلمين في المحافظات لرفع المستوى التعليمي للطلاب من خلال رفع كفاءة المعلم وكفاءة المدرسة . اليوم وبالتجربة يمكن القول بان الاستثناءات والمكرمات لم تنجح في تخطى حقيقة ان التاسيس العلمي والمعرفي للطلاب يكون في المراحل الاولى من الدراسة ،ابتداء من مقاعد الابتدائية وحتى الثانونية ( وان التعليم في الصغر كالنقش في الحجر ) وبان توفير المقعد الجامعي للطالب لا ينقله ،بين ليلة وضحاها، من مستوى تعليمي الى اخر . وفي معظم الأحيان يظلم طلاب المحافظات مرتين ، مرة بعدم حصولهم على التعليم الكافي في مدارسهم ، ومرة عند منحهم اختصاصات جامعية ( بالمكرمة ) غير قادرين بها على النجاح في الدراسة ، ولا في الحياة العامة عندما يخوضون المنافسات من اجل الحصول على الوظائف المتقدمة التي ترفع من مستوياتهم الاجتماعية والمعاشية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى