مبتدأ وخبر

#مبتدأ_وخبر

د. #هاشم_غرايبه

المبتدأ: تقول حكاية مأثورة في التراث الشعبي الأوروبي أن يهوديا مات وترك ولدا صغيرا وحيدا، فأراد أن يوصيه بأمر ينفعه في حياته، فقال له: إذا اشتريت شيئا فلا تقبل أن تدفع فيه للبائع أكثر من نصف ما يطلبه.
التزم الولد بنصيحة أبيه، وفي أول استعمال لها أراد شراء بنطال مكتوب عليه أن سعره ثمانية دولارات، فأظهر أمام البائع المسكنة والفقر من أجل أن يبيعه له بأربعة، وظل يجادله حتى وافق أخيرا، وعندها قال الولد: حسنا لم لا تعطيني إياه بدولارين؟، أدرك البائع أنه سيخسر يومه كله مع هذا المشتري النكد، فقال له: بل سأعطيك إياه مجانا شرط أن تغرب عن وجهي، فرد عليه الصبي: إذن أريد بنطالا آخر معه.
الخبر: تصب الجهود الأمريكية الحثيثة لإنهاء وجود وكالة الغوث، في الترتيبات لأجل إلغاء مسمى لاجئين فلسطينيين، كخطوة عل طريق إماتة القضية الفلسطينية، ويكمل هذا الهدف من الجهة المقابلة جهود الأنظمة العربية (بما فيها سلطة رام الله) التخديرية تحت مسمى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المسخ.
في قضايا الخلافات بين الأمم والدول، كان يتم اللجوء الى القوة لحسمها، لكن التفوق العسكري لم يكن ليوقف النزاع، ما يوقفه كان دائما الحل السياسي، أي اتفاق الغالب والمغلوب على صيغة العلاقة الجديدة.
هذه مبادئ عامة لا تتغير بظروف الزمان والمكان، لذا فهي تنطبق على ظروف الصراع العربي الصهيوني، ولا نقول النزاع، لأن النزاعات تكون عادة بين دول متجاورة على ملكية منطقة متنازع عليها، بينما ما حدث في قضية فلسطين فهو صراع وجود، حيث نزل مستعمرون أرض غيرهم وطردوهم منها وحلوا محلهم، لذا فالحل السياسي غير وارد في هذه الحالة، وأية اتفاقية يتم التوصل إليها لن تكون إلا عقد إذعان من الذي يفرض شروطه بالقوة، ومدى التباين في موازين القوى يحدد مدى البعد عن منطق العدالة، وقد أثبتت أحداث التاريخ هشاشة هذا النوع من الإتفاقات، فدائما ما كان من ناله الحيف يتحين الفرصة لنقضها متى ما تمكن من الإمساك بتلابيب القوة.
لذا لم يدم للباطل حال، ولم يستتب له الأمر طويلا، ولذلك يسعى هذا الباطل لاغتنام حالة تفوقه الراهنة، ودفع الطرف المغلوب الى توقيع اتفاقية يتقبل فيها الظلم ويرسخه كأمر واقع لا حيلة له بدفعه.
لو قارنّا هذه المبادئ العامة بحالة الصراع العربي الصهيوني سنلاحظ تناقضا عجيبا مع منطق الصراعات الأخرى عبر التاريخ، فالطرف الذي يتحمس لتوقيع اتفاق ينهي هذا الصراع، ليس الطرف المتفوق في القوة، وإنما المهزوم، فما الذي يدعوه الى الإصرار على عملية (سلام) موقن سلفا أن شروطها لن يكون أي منها لصالحه ؟، ولماذا يطالب بإلحاح على استئناف التفاوض العبثى بين من هو مسيطر بالكامل على الأرض محور الصراع، وبين من هو مطرود خارجها ولا يملك ورقة ضغط واحدة على المحتل المتغطرس بفضل القوة الفائضة؟.
في وجود هذه الحالة الكاريكاتيرية، من الإنهزامية المفرطة للأنظمة العربية، والتي أنتجت هذا المسلسل الطويل من التفاوض العبثي، ما هو الحل إذاً!؟.
أولا: يجب قطع الطريق على دعاة الاستسلام تحت مسمى إحياء عملية السلام، وإعادة الصراع الى جوهره، وهو صراع بين الأمة بمجموعها (وليس الفلسطينيين المنكوبين فقط) مع غزاة محتلين، وإن لم تتمكن الأنظمة المتخاذلة (وهي بالأحرى لم يكن لديها النية أصلا) من مقارعة هؤلاء، فليس لها على الأقل مصادرة حق من يملكون النية لذلك، وبغض النظر عن تفاوت موازين القوى، فما الذي ستخسره الأمة أكثر جراء إبقاء هذا الصراع، بعد إذ بلغت الحضيض في التنازلات!.
ثانيا: يجب على المؤمنين الشرفاء سحب البساط من تحت أقدام الإنهزاميين، سواء كان أولئك من أقطاب سلطة أوسلو أو الأنظمة العربية الأخرى، بإعادة الأمور الى المربع الأول واستعادة مبدأ تحرير الأرض من البحر الى النهر، فلا شيء يخيف المتغطرسين مثل كلمة “فلسطين”.
بذلك فقط تستعاد الحقوق وليس بالإستجداء.
وتبقى الأنظمة العربية جد مخطئة إن ظنت أنها بتسليمها لأحفاد شايلوك بفلسطين كلها، ستوقفهم عن المطالبة بواحدة أخرى مجانا، فطمعهم لا حدود له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى