رسائل لم تصل أبدًا / نهاية أبو حميدة

رسائل لم تصل أبدًا
رسائل عُمرِ العشرين -1-

مرحبًا، إنها المرة الأُولى التي أكتُبُ لك فيها في وضح النهار، الساعة الآن الواحدة ظهرًا، لقد قلت لي مرة أنه حين يسلب أمرٌ ما تفكيري وراحتي في ساعات النهار فهذا يعني أن المشكلة صارت أكبر، كما يُشير إلى صدق الرغبة فيه، ولهذا سأكتب لك من جديد، ولتعلم أيُّ إنسان أصبحت.

الحياة تبدو غريبة من هُنا، لقد أصبحتُ شخصًا آخر، وأحاول أن أكون شخصًا آخر عمّا أنا عليه الآن، ولو يحدث هذا بسرعة سأحمد الله طوال عمري، لكن هذا الطريق سيستمر باختباري، وأخاف أن أستمر أنا بفشلي في هذه الاختبارات الصعبة.

بدأتُ اليوم بكتابة رسائل العمر العشرين، سميتها كما سميت ما قبلها في عمر التاسعة عشر والثامنة عشر وما سبقهما.. رسائل لم تصل أبدًا، أعلم أنها لم ولن تصل إلى الشخص المطلوب، ولا إلى الشخص الذي سيأخذها على محمل الجد، ليست الرسالة الأُولى لكنني سأعتبرها الأُولى كبداية جديدة.

مقالات ذات صلة

أعترف أنَّ هذا الطريق طال كثيرًا وضاق عليّ، وأنني مُتعبة من الركض نحو الأشياء التي تهرب منِّي، ولستُ أُنكر أنني شخص بارِع جدًا في تفويت الفرص، وفي كسب الخسائر وتجميع الهزائم ثم البكاء عليها، أبدًا لا أُنكِر.

إنَّ أكبر ما فهمته بعد هذه السنوات أنَّ الأحلام وحدها لا تكفي، ليست الأحلام من تجعلنا نحيا سعداء، بل السير إليها، لقد أدركت أن الأحلام تمنحنا لحظة نشوة الوصول الأُولى التي تدفعنا للاستمرار فقط والرغبة في نسج الأحلام والإيمان بها، لكنها وحدها لا تكفي، إن لم تكن إرادة الحالِم صلبة ستكسره أحلامه وتُلقيه إلى قارعة الطريق وتُهمِش رغباته كلها فتموت رغبته في العيش وتدفن داخله، أما الشغف فإن بهتَ انطفأت عيناه وتساوى مع بقية الناس، ذلك أن الحالم يرى العالم من زاوية أخرى لا يراها البقية، حتى أنَّه قد يظن نفسه يحيا في عالمٍ آخر غير عالمهم.

أتانا الحلم على غفلة، فلمّا رآنا فتحنا له أذرعنا واستقبلناه بحفاوة كأنه قشة الغريق نادى رِفاقه وقال: هذه أرَضٌ خصبة لننمو بها فتعالوا! من حلمٍ جاء كما المنقذ الوحيد والهروب إلى أحلام كثيرة وكبيرة لم يعد صدرنا يسعها ولم يستطع حمايتها مِنّا ولا حمايتنا منه.
غذاء الحالم هو العمل ليصير حقيقة، وليصير الحلم الذي يرفرف في قلبه واقِعًا.. فإن لم يبذل كل طاقته لأجله فعلى روحه السلام.

لولا هذا الحلم لمّا كـنّا، إن كنتُ ممنونة لشيء فكلّ الحمد والامتنان لله الذي وضع هذه الرغبات والأحلام داخلي، كما وضع القدرة على الوقوف بعد كلِّ تعثرٍ ولم يعلمني الاستسلام أبدًا.. رُغم كل الخيبات المركونة في صدري، وكل الرغبات المدفونة في أعماق أعماقي، والأحلام والأهداف التي تكدست في رأسي وقلبي، رغم أنِّي أبذل لأجل كل هذا أقل مما ينبغي لكنني أعلم أنَّ هذه الخطوات الصغيرة لن تستمر هكذا وإنما ستكبر حتى تغدو قفزات وسأصل، ولن أبرح حتى حين أصل؛ لأنني أعلم أنًّه مع كلِّ حلم يتحقق يأتي خلفه حلمٌ جديد ليبقى هذا الشغف فينا..

إن ذهب الشغف ذهبنا، وكي لا يذهب انهض من فراشك عند الثالثة فجرًا لتكتب فكرة عنّت على خاطرك، ولتبدأ لوحة أُلهِمت لك وشعرت كأنك ترسم قلبك، وقُم غنِّ.. لا تسمح لهذه الأفكار أن تهرب منك، ولا تنم وفي رأسك فكرة عظيمة شعرت أنها أتت من السماء وتشبهت بك.

إنني أكتب لك من جديد، وسأظل أكتب، لتشهد على أنني حاولت وبذلت، وعلى أن الأيادي التي امتدت إليّ كانت مُؤقتة واستمرت في العبور، وأنني أنا وأحلامي من بقينا صامدين أمام العواصف فقط.
“هناك خط رمادي..
بين اللاشيء وكل شيء..
لابدَّ أن يبقى..
ليظل هذا الجمال يدغدغنا. ”

– إلى شخصي المُفضل الخيالي، وإليّ.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى