لماذا ثارت ثائرة أغبياء السلطة من أضراب المعلمين ؟

لماذا ثارت ثائرة أغبياء السلطة من أضراب المعلمين ؟
د. محمد يوسف المومني

الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار -أفلاطون-
قضت النواميس الكونية في النفوس ألا تستشعر هذه الحقيقة، حتى يستفحل الظلم، وتمتد أيدي الجور لتعم كل الناس… غنيهم وفقيرهم… رفيعهم ووضيعهم، والى ذاك تؤوب العامة إلى الطيبين تستنجد بهم في مواجهتها للمترفين الأشرار، وإذ لم يجد الناس من يقودهم من الأخيار الصالحين، أناخوا قيادتهم لكل “مدع” لحسن التدبير والقيادة، ويوشك أن يستبدلوا الشر بالشر… والاستبداد بالاستبداد، ولا يلبث المدعي أن يبرز إليهم بوجهه الحقيقي… ذئبا جائعا يسومهم الخسف، ويعيد دورة الظلم والتعسف، ولذلك فإنه من الواجب على الفضلاء، والناس الطيبين المبادرة وألا يتركوا فراغا يهرع لملئه كل انتهازي وصولي، ولعل ما يعانيه شعبنا، هو تسلط الانتهازيين من رجالات السياسة والمال الأشرار، أو تسلط عائلات وسلالات، يتوارث أبناءها مصير دولتهم، كما يتوارثون حظائر الحيوانات، فلا عدل في القسمة ولا مشورة، ولا مشاركة عامة، بل فرعونية متلبسة بلبوس العصر:” وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد” حتى وإن لم يرشدوا هم، ومن أين يأتي الرشد، لمن رضع لبان الإلحاد، وكفر بمجتمعه، وبلده، وأمن بحضارة كفر بها ناسها، ويدعي حداثة هي ماضي مقيت يسعى من يقلدهم لدفنه، ويزداد الأمر سوء عندما يقيمون “انتخابات” يعدو فيها حصان واحد فصل القوانين على مقاسه، وبالمال أناخ رقاب الناس واشترى ذممهم، وبالسجن والبلطجة والمنع والتضييق، منع ذوي النفوس الأبية والضمائر الحية، وها انتم ترون ذلك رأي العين، فخروج الناس لمؤازرة المعلمين في مطلبهم، جعل ثائرة ” أغبياء السلطة” تثور وجن جنونهم، وانتفخت أوداجهم، فلا احترام لمواطن ولا لطفلة وامرأة، ولا لشيخ كبير، والمجانين يضربون ضرب عشوائي، ولن يوفروا شيئا في المواجهة، وأعلنوها حربا على شعوبهم، نعم هذا هو الثمن الذي ندفعه عندما يحكم الغباء.
ولذلك فالشعب مدعو أن يعي جيدا غلاء الثمن وغلاء الدماء، وأن لا يجعل بعد اليوم لكل غبي شرير سلطان عليها، وإلا فسيدفع الثمن مرتين.
أما جربنا رجالاً فوجدناهم شر حاكمين… أفسدتهم السلطة… اغرتهم فأرختم… وأوسعتهم ذمة… فنبذناهم، وطال عليهم الأمد فنسينا فسادهم، ورجعنا نصفق لهم لنرفعهم على رؤوسنا مرة أخرى؟ أما يضحك علينا رجالٌ كلما أذن مؤذن الانتخابات… يعدوننا نعيم الجنة في الحياة، ويحلفون لنا – ليخدعونا – أنهم سيطعمونا لبناً وعسلا، ويفرشون الأرض بسطاً ويلبسون الفقراء حريراً، فإذا انتخبناهم كانت مواعيدهم كوعد الشيطان لنا بالخير ثم يوم القيامة يقول إني بريء منكم… ثم تتجدد الانتخابات فيعودون إلى الضحك على ذقوننا ونعود إلى انتخابهم؟ فمتى نصبح شعب متيقظ عاقل لا نائم و لا مغفل، نتخذ لكل رجل من رجال السياسة دفتراً كدفتر التاجر فيه (مِن) و (إلى) نقيد له فيه ما له وما عليه، لنرى كم أعطى الأردن، وكم أخذ منها؟ ماذا كان يملك من قبل وما يملك الآن؟ كيف كان يعيش هو وأهله وكيف يعيش اليوم؟ هل صدق الوطنية أم اتخذها تجارة رابحة؟ متى نفرق بين الصالح والطالح، والخيرين والشريرين، و لا نكون مغفلين ننسى مواضي الرجال، ونُخدع مثل الأطفال؟ حتى الأطفال لا يُخدعون….
ان تحليل مضمون شطحات وتخبط رئيس الوزراء يبين عمق إشكالية محاربة الفساد و المفسدين بالاردن، و السيد رئيس الحكومة نفسه يدرك صعوبة محاربه هذه الظاهرة، لأنه ” ليست بيده حيلة ” كما يقول الاردنيون دائما، أو مغلوب على أمره ، فالإشكال أعمق و أكبر حتى من منصبه كرئيس حكومة، وهذا يطرح مدى حضور وعدم حضور رئيس الحكومة، وموقعه الحقيقي داخل النظام السياسي الاردني، ومدى قدرته على ممارسة حتى صلاحياته الضيقة التي منحها له الدستور , ويتضح هذا بشكل في ملفات الفساد وتعينات الهيئات الخاصة وبيع مقدرات الوطن فلم يجرؤ على المساس بها او الاقتراب منها…هذا ما يمكن ان يؤشر على وجود ما اصطلح عليه في ادبيات العلوم السياسية و الانتقال الديمقراطي ب ” الدولة العميقة ” ، اي دولة داخل الدولة ، و حكومة داخل الحكومة ، و حزب داخل حزب….
لنخلص الى القول ان محاربة الفساد ليس امرا سهلا على اعتبار ان هذا الاشكال هو اشكال بنيوي ، يتطلب اعادة النظر في البنية السياسية و الاقتصادية و حتى الاجتماعية ، يتطلب ايضا معالجة العلاقة بين الرأسمال المالي و السلطة السياسية اضافة الى اعادة النظر في طبيعة العلاقة التي تجمع بين هرم السلطة و محيطها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى