الطاقة المتجددة : مشروع تحرر / د. ايوب ابودية

الطاقة المتجددة : مشروع تحرر
الحديث عن موضوع الطاقة المتجددة بوصفه مشروعاً للتحرر يستدعي تقسيم الموضوع كما يلي:-
أولاً: تعريف الطاقة المتجددة: الطاقة المتجددة هي الطاقة التي مصدرها متجدد بمعنى أنها لا تنضب، وتشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الجوفية والطاقة الكهرومائية وطاقة المد والجزر وطاقة أمواج البحار وما إلى ذلك.

ثانياً: كيف تطورت الطاقة المتجددة ولماذا؟
استخدمت الطاقة المتجددة منذ القدم ولكن التطور الحقيقي المتعاظم بدأ خلال الأزمة الاقتصادية العالمية 2007 – 2008 حيث قفز إنتاج الخلايا الكهروضوئية في عام 2008 إلى 16 غيجاواط مقارنة بـ 9 غيجاواط في العام الذي سبقه 2007 بينما كانت فقط 7 غيجاواط في عام 2006؛ واستمر هذا الصعود لغاية عام 2014 حيث أصبحت قدرة إنتاج العالم من الطاقة الشمسية 177 غيجاواط.
ومن اللافت أن العديد من دول العالم تقود إنتاج الطاقة الشمسية وبخاصة الصين والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا وحتى اليابان، فعلى سبيل المثال أنتجت ألمانيا من الطاقة الشمسية في عام 2014 وحده نحو 2 غيجاواط، أي ما يغطي حاجة الأردن من الكهرباء في الأيام العادية بالكامل، فيما أنتجت الصين 11 غيجاواط في عام 2014. إذاً قفزات هائلة جداً في إنتاج الطاقة المتجددة تحققت بعد الأزمة العالمية وبلوغ أسعار النفط حدوداً فلكية حيث ناهز سعر البرميل 148 دولار في شهر تموز من عام 2008. والآن نتساءل: هل بالإمكان بعد هبوط أسعار النفط أن تتراجع أسعار الطاقة المتجددة، وبخاصة الطاقة الكهربائية الناجمة عن الخلايا الكهروضوئية؟
من الصعب أن يتحقق هذا التراجع مهما تدنت أسعار النفط لتدني سعر الطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى حدود لم يتخيلها إنسان؛ فقد قدمت شركة صينية عرضاً لمشروع الحديقة الشمسية لمجمع محمّد بن راشد في الإمارات بقيمة 2,99 سنت دولار لكل كيلواط. ساعة، بينما في الأردن على سبيل المثال تبلغ تكلفة الكهرباء المنتجة بالوسائل التقليدية من 9 – 10 قروش. والدليل على أن الطاقة الكهربائية المولدة من الشمس في نمو هو أنها في عام 2016 باتت تقترب من 30% من مجمل الكهرباء المنتجة على صعيد عالمي، والأهم من ذلك هو أن نحو 60% مما تمت إضافته من قدرة إلى محطات توليد الكهرباء العالمية في عام 2014 كان من مصادر الطاقة المتجددة وحدها.

ثالثاً: طموحات دول العالم حول الطاقة المتجددة.
واضح من نمو الاستثمار في الطاقة المتجددة الهائل أن المستقبل واعد لهذا المصدر من الطاقة، فقد ارتفع الاستثمار من 232 مليار دولار سنوياً في عام 2013 إلى 270 مليار دولار في عام 2014، وأصبحت هناك دول مثل نيكاراكوا في وسط أمريكا أو الأرغواي في جنوب أمريكا، وهي دول شبيهة بمساحة الأردن إلى حد ما، كذلك في عدد السكان، فقد بلغ إنتاجها من الطاقة المتجددة 50% من استهلاكها من الكهرباء في عام 2013 وتتطلع بأن تساهم الطاقة المتجددة في 90% من إنتاج الكهرباء في عام 2027؛ بينما الأردن على سبيل المثال قد وضع نصب عينيه الوصول فقط إلى 20% طاقة متجددة من الكهرباء في عام 2020.
ويمكن القول إن السويد تعتبر من الدول الطموحة جداً في هذا المضمار حيث تطمح إلى إنتاج نصف حاجتها من الكهرباء من الطاقة المتجددة في عام 2020 ولكنها أيضاً تطمح إلى أن تنتج كافة حاجتها من الكهرباء بحلول عام 2030. و​يبدو أن الكثير من دول العالم قد بدأت تنافس السويد فقد أعلنت مدينة سدني في أستراليا أنها سوف تنتج 100% من حاجتها إلى الكهرباء بالطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ولكن يبدو أن فوكوشيما التي تضررت بكارثة المفاعل النووي في عام 2011 قد عقدت العزم أن تنتج كافة كهربائها من الطاقة المتجددة بحلول عام 2040. وكذلك تطمح دولة المغرب العربي الشقيق إلى توليد 100% من حاجتها من الكهرباء بالطاقة المتجددة بحلول عام 2050.

رابعا: الحالة الأردنية: هل نحن فعلاً بحاجة إلى اتفاقية غاز او طاقة نووية؟
صيفاً يرتفع الحمل الكهربائي في الأردن ظهراً ليصل أوجه عند العصر نحو الساعة الواحدة ولمدة ساعتين تقريباً، وهي فترة الحر الشديد، لذلك نقترح أن يكون دوام الموظفين صيفاً حتى الساعة الواحدة فقط وأن يبدأ الساعة السابعة صباحاً لتجنب أزمة المركبات الخانقة أيضاً، وهذا يعتبر إدارة في الطلب على الطاقة؛ وفي الوقت نفسه يمكننا تغطية الحمل الإضافي في ساعات الذروة بواسطة الطاقة الشمسية التي تكون في أوج عطائها خلال تلك الفترة.
أما الإجراءَات المقترحة لتغطية التزايد على الحمل سنوياً بمعدل 4 – 5% تقريباً، فكما يلي:-
1- تطوير مصادر المياه الجوفية الحارة لتوليد الكهرباء منها بشكل مستدام ليغطي التذبذب في إنتاج طاقتي الشمس والرياح.
2- السعي لربط شبكة الكهرباء مع دول الجوار للتخلص من الحمل الفائض ولتغطية النقص.
3- وضع خطة لبرنامج وطني لترشيد الاستهلاك ورفع كفاءَة الطاقة وتنظيم ساعات الدوام وعزل المنازل حرارياً وتركيب سخانات شمسية مدعومة بقروض دوّارة ومراعاة ضرورة الالتزام يخفض استهلاك الطاقة 20% بحلول عام 2020 (مقارنة بعام 2007)، بالرغم من أن الواقع يشير إلى أن نصيب الفرد من الكهرباء ازداد من 2265 إلى 2320 كيلواط. ساعة سنوياً بين عامي 2014/2015.
4- تخزين الطاقة الحرارية المنتجة نهاراً باللواقط الشمسية واستخدامها ليلاً.
5- تحويل مضخات المياه لتعمل على الطاقة الشمسية وتضخ المياه نهاراً.
فإذا اتبعنا هذه الخطة المبدئية فإن الحمل الكهربائي الأعظم ينبغي ألا يتجاوز 4000 ميجاواط عام 2025 وسوف يكون مغطى بالكامل من التوسع في استخدامات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الجوفية، فيما يمكن الاعتماد على الصخر الزيتي لاستخراج النفط لاستخدامات قطاع النقل، الأمر الذي يجعل من المشروع النووي عقيماً غير ذي فائدة (وكذلك استيراد الغاز من الكيان الصهيوني).

خامسا: الطاقة المتجددة هي مستقبل الدول النامية ومشروع تحررها.
يتضح من دراسات عالمية أن التحول في توليد الكهرباء وتسخين المياه والاستثمارات في الطاقة المتجددة في العالم قد بدأ يرتفع في الدول النامية نتيجة تدني أسعارها مقارنة بالماضي ومثال ذلك أنه في عام 2004 كان حجم الاستثمار في الطاقة المتجددة عالمياً 20% فقط للدول النامية مقابل 80% للدول المتقدمة، أما في عام 2014 فنجد أن النسبتين أصبحتا متساويتين، أي 50% لكل منهما؛ وهذا دليل على أن انخفاض تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة أصبح عاملاً مشجعاً لإنتاج الطاقة في الدول الفقيرة والنامية ووسيلة لخفض المديونية وأيضاً سوف يساهم في تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري وارتفاع معدل درجات الحرارة في الغلاف الحيوي للأرض، الأمر الذي سوف يقلل من تبعات التغير المناخي على الدول الفقيرة الأكثر تضرراً.
ولا نكتفي بالقول أن وضع الدول النامية سوف يكون أفضل في المستقبل باستخدام الطاقة المتجددة بل نقول إن أعباء الحروب سوف تقل أيضاً لأن هذه الطاقة مجانية ومستدامة ولا يستطيع أحد أن يصد الهواء عن دولة ما أو أن يحجب الشمس عنها وبالتالي لن يوجد من داع للحروب كما كانت الصراعات على النفط والممرات البحرية، طالما أن الطاقة متوفرة وبأسعار زهيدة. كذلك لن تصبح هناك حاجة للحروب حول المياه طالما توافرت الطاقة المتجددة بأسعار معقولة فبإمكانها تحلية مياه البحار لتزويد الناس بحاجتهم إلى المياه النظيفة التي لن تريح الناس من الحروب وحسب بل سوف تحسن من أحوالهم الصحية نتيجة تطهير هذه المياه من الكائنات الممرضة التي تقتل من الناس سنوياً أكثر مما تقتل الحروب مجتمعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى