للحقيقة أشكال عدة…

للحقيقة أشكال عدة…

سناء جبر

علمتني الحياة أنك ستواجه صنفًا من الناس لا يفكر إلا بنفسه، وآخر يخذلك في نهاية الطريق وصنفًا ينكر معروفًا لك ، ستصفعك الحياة فتعلم كيف تنهض بنفسك. وتدريجيًا تتقلص الدائرة حولك حتى تنغلق على عائلتك، وعلى شخص أو شخصين يجاهدان لجعلك دومًا تبتسم وتكتفي بهم بقناعة تامة، فلا تراهن على أحد وكن لنفسك كل شيء…
مهما كان الهم ثقيلًا، فذلك لا يبرر القعود وعدم السعي في هذه الحياة . ثمة دومًا طريق … ثمة دوما طريقة لمن يريد ، وثمة دومًا نور يبصره العقل والقلب بالسعي والتوازن والإيمان والثقة والصلابة… فالحياة معركة كبيرة ينتصر بها فقط من أراد وصمّم وأصرّ… مصاعب الحياة لا تكمن في عجزك عن تحقيق ما تريد بل في عجزك عن دفع ما لا تريد… الحياة مليئة بالحجارة والعثرات، فلا تتعثّر بها بل اجمعها وابنِ لها سلّمًا تمضي به نحو النجاح . الحياة شعلة إما أن نحترق بنارها وإما أن نطفئها ونعيش في الظلام… وليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئًا نناضل من أجله… ثمة الكثير من الأشياء لمن يريد ، لكن أكثرهم لا يريدون… سيغفر الله لهم ، لأنه غفور رحيم. لكن، في نهاية المطاف سيمل الآخرون ويهجرون ؛ لأن لديهم ما يكفيه وزيادة: همًا وغمًا وقهرًا… لكننا نعيش بستر الله وعفوه ورحمته ونكمل معًا حياتنا دون أن نطلق الشكوى والألم في محيطنا الذي فيه نعيش… والله وحده يعلم الحال والشعور تجاه الظلم وسوء التقدير، تجاه الفتن التي تُشعل ، ويوقد لها من حيث ما توقعت، فمن مامنه يؤتى الحذر، نعم … نار الفتنة تتّقد ولا تخبو لها شعلة إلا وقد اشتعلت في الهشيم فلا تبقي وراءها ولا تذر…

كيف لك أن تحظى بقسط من راحة مشتهاة؟ ما عليك إلا أن تحب نفسك وتتصالح معها، على الصورة التي عليها في التو واللحظة… بذلك، تجد متسعًا في الحياة للحب وللاستمتاع بوقتك… لا تكره ولا تحقد وتجاوز، ولا تشغل عقلك بالتفكير بالضغائن والأحقاد. أن تحب ذاتك وتقدرها يقضي بأن تخلق وتوجد تغييرًا إيجابيًا متواصلًا ، وإياك وإلقاء اللوم على الآخرين، فأنت تنسى كأنك لم تكن يوماً… بل تحمل مسؤولية أفعالك واختياراتك للأشخاص، بمن وثقت وصدق الثقة… وبمن طعنك من الخلف، وبمن وقف متفرجا صامتا لم يفكر للحظة أن يمد يد العون والمدد، اكتفى بالمراقبة عن كثب وما لبث أن ابتعد ولاذ بالفرار … تعلم من أخطائك ولتكن دروسا قاسية تثمر زهرا وعنفوانا لقوة تصمد حتى الرمق الأخير.
عندما تكتفي بنفسك يصبح وجود الناس حولك لطيفًا، أما غيابهم فلا يضيرك، فلا تشعر بالفقدان لا نفسيا ولا ماديا ولا اجتماعيا. احمل عبء قلبك وحدك ولا تنتظر تربيتة على كتفك من أحد… رتب قائمة أولوياتك: أنت ثم أنت ثم تأتي بقية الأشياء واحتياجات الآخرين منك ، تلك ليست أنانية لأن أولويات الآخرين حولك تحمل ذات الترتيب ، أحب نفسك وكل شيء يأتي بعد نفسك . ولا تخش خسارة أحد، واخش خسارة نفسك وفقدانها في منتصف الطريق في محاولتك إرضاء شخصٍ آخر تظنه كل الناس وتكتشف أنه ذرّ رماد.

مقالات ذات صلة

للأسف، كلنا غرباء، عن أنفسنا وعن محيطنا وفي وطننا وخارجه، وقد يصل مطاف رحلتنا إلى جولته الأخيرة ونحن ما زلنا غرباء… وبين هذا وذاك، يقضي الإنسان حياته بحثًا عمّن يؤمن به، ولكنه يُخفق في الإيمان بنفسه؛ لو آمن بها لما احتاج لسِواها! لا تفقد ذاتك… واعرف نفسك ولا تكن غريبا عنها وثق بقدراتك وآمن بوجودك وأن لك بصة خاصة تمتلك القدرة على صنع فرق واختلاف.

قد نكون التزمنا بتلك السياسة في التعامل بعد أن غابت واحدة من خلقات التعامل والإدارة الأساسية، ألا وهي التقدير؛ ذلك أن الإنسان يقدم أفضل ما عنده حين يقدَّر لا حين يؤمر، حين يحترم ويعزّز، حين يُنقد لا حين يُنتقد. وهنا، لا بد من أن لا نبحث عن الحب بل علينا أن نبحث عن السند ، عمًّن يحنو مودّة ويدنو رحمة ، عن ساتر العيوب بما تحملون من ميزات، عن الأمان الذي لا يعقبه خوف ، عن الدفء الذي لا يتبعه برد، ابحثوا عمّن تتخطّون معه عتبات الحب إلى منزلة المودّة والرحمة .

والوضع المثل أمام أعيننا؛ ففي حياتنا نحيا من أجل الآخرين وأحيانًا نربط سعادتنا بالآخرين . ليس ذلك فقط، بل نعتمد عليهم مادّيًا وعاطفيًا .حتى أطفالنا نعتمد عليهم! نثق أن من نحب لن يؤلمنا ، ونثق أن صحتنا ستساعدنا أن نبقى كما نحن دائمًا. وكل ما نفعله محض هباء فهو نقيض للاستقلالية . الاستقلالية تكمن في القدرة على ألا تمأسك بشيء، ستعرف طعم الاستقلالية عندما تترك وراءك ما يقيدك بأغلال تتغطى بغطاء الحب والتعلق والانتماء؛ فالكون بأكمله زائل… أما ان أبني لي مملكة خاصة بي بلا قيودٍ ذهنية أو مجتمعية أو وجدانية، فهذا هو المعنى الحقيقي للاستقلالية . لكني تساءلت دوما ويبدو أنني سأبقى أفعل : ما مدى استقلاليتنا؟ تعلّم يا صديقي أن الانتماء إلى النفس هو أعظم ما في الكون. ودومًا وأبدًا، ليكن لك رأيك الشخصي ولا تكن كالإسفنج فتتشرب آراء الآخرين؛ فالعديد منا يكرر آراء الغير وأفكار الغير: نستمع لمن يكبرنا سنا ونكرر آراءهم… إياك أن تفعل ذلك، قف وتأمل بما تفكر فيه وأجب عن السؤال: كيف توصلنا إلى هذه الفكرة ؟ وعندما تكوّن رأيك الشخصي الخاص بك وحدك والذي يعبر عن قناعاتك وحدك ، يجب أن تعرف كيف توصّلت لهذا الرأي ! وإن لم تعرف الإجابة، اعلم أن هناك من شكّل لك رأيك ، آراؤنا لها أهمية تضاهي أهمية أسمائنا . إن خطورة الرأي تكمن في الاعتقاد أن رأيك وحدك هو الصواب… ثم إن الخلوة مع النفس شيء ضروري ومقدس بالنسبة لإنسان هذا العصر الضائع في متاهات الكذب والتزييف… و هي بالنسبة له طوق نجاة وقارب إنقاذ؛ تنبه وتيقّظ وتبصّر، وإياك والتيه في وحشة الوديان ولا تخيفنّك وعورة الطريق ولا تقنط ، فلكلٍ صولة وجولة … وللحقيقة أشكال وصور عدّة، فترقّب!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى