حقيقة المعادلة

حقيقة المعادلة

سناء جبر


نبدع دوما في جلد الذات على كل خطأ يحدث ، سواء أكانت لنا يد في وقوعه أم ظننا ذلك. ونعيش حالة من العصبية والقهر والألم، ننصاع لها باختيارنا وعن طيب خاطر كذلك… ونعيش الحزن مرات تلو أخرى، حتى لنشعر أننا خلقنا متلبسين به، وكأنه معجون فينا… نعيش تلك المشاعر والانفعالات معتقدين أننا نتحمل المسؤولية في كل ما جرى ويجري حولنا من أخطاء وحوادث … مع أن الحقيقة تتجلى أمام أعيننا بالضد… لكننا نتقن الألم ونعيش لحظاته ونوثقها في الذاكرة ، فتحفر لها وتتخذ بقعة هناك لا تفتأ تنكأ علينا الجراح ، وقد خلنا أنها اندملت وشفيت إلا أن الذكرى الموجعة لا تفتأ تقفز بين لحظة وأخرى تدق ناقوس الوجع والمرارة… وبعد، هل سنمضي العمر طولا وعرضا ونحن نبكي ألما لخطأ ما اقترفناه أصلًا؟ فلنستفق ونتيقظ ونواجه أنفسنا: ثق بنفسك وزن الأمور بموازينها… ولا تملّ على نفسك فلا أحد يستحق أن تخسر نفسك لأجله … قدّر مسافة أمان بينك وبين من يحيط بك. ولا تنس؛ فمحبّوك منهم على رأس القائمة عندئذ تحظَ براحة البال وهدأة النفس ، وكن أنت… فأنت نكهة خاصة لجمال الحياة، ولا تنكر ما بنفسك من أجل أن تلائم معايير أي أحد آخر أو أي معتقد آخر لست مقتنعا به، ولا يعبر عنك، ولا يمثل فكرك وعقلك وطريقتك… أنت خلقت؛ لتكون أنت… بفكرك ورأيك وقناعاتك وطباعك وحزنك وفرحك ومزاجيتك وعنفوانك وضعفك ، بحنوّك وشدّتك، بانطلاقتك واندفاعيتك، بتراجعك وبانهزاميتك، أنت أنت، من كل هذه المتناقضات لست مسؤولا أن تبرر لأحدهم أو تفسر فعلا ولا قولا ولا تصرفا؛ فما يعتلج في صدرك لن يفهمه سواك أيا كانت درجة قربه منك ، والوجع يا صديقي لا يؤلم أحدًا سواك ، سيواسونك ويربتون على ظهرك ويطمئنونك لحظات وساعات… وفي نهاية المطاف سينكفئون على أدبارهم ويرحلون … هو السأم والملل والتعب ، وأنت وحدك تدثر نفسك وتطبطب على قلبك وتمسح على جرحك وتهدهد على روحك، وحدك أنت ، فلا تنتظر ولا ترفع سقف التوقعات لديك بمن خلته محبا خِلّا ودودا فكان خّلَا ودودا. إياك وتلك التوقعات والأمنيات العاليات ، ستدفع ثمنها باهظا خيبة أمل ليس بعدها خيبة ، وتغرق إثرها في بحر من الأسى والوجع ، ولن ينقذك حينها إلا رحمة الله الواسعة. انجُ بنفسك فقد هلك قبلك كثيرون صدقوا ووثقوا فكان مآلهم الألم وجزاؤهم النكران والخديعة، بعد أن انكشف بصرهم على تلك الحقيقة الأشد مرارة في الدنيا.
داو جراحك وضمّدها، فالمواساة كلها تكمن في فكرة نزع ملامة الإنسان عن نفسه… في تحريره من حكمه القاسي على نفسه.. في إنقاذه من عملية الالتهام الذاتي للروح، التي يمارسها كجانٍ وضحيّة صباح مساء… ولعلّ الخطوة الأولى هنا، هي إقناع هذا الإنسان أنّ المشاعر السلبية التي تملأ جنبات روحه، منطقية ومتوقّعة.. وأنّ القلق، والتشتت، والشعور بالعجز وانعدام الأمل…وحالة الهشاشة المفرطة هذه التي تعطّل حياته… ما هي إلّا استجابات طبيعية لجسده وعقله، في ظلّ ما مرّ، ويمرّ به من ظروف.. تماما كما يكون الصداع، وارتفاع الحرارة، وألم العضلات، استجابات طبيعيّة لهجومٍ فيروسيّ…
إنّ يد المساعدة الحقيقيّة هنا، هي أن نقنع هذا الإنسان – وأن نقتنع نحن قبله – أنّه يعمل كإنسان… ولا عيب فيه … روحاً وجسداً… لكنّه تعرّض لظروفٍ قاسٍية ولّدت لديه هذه المشاعر.. وأنّ كلّ ما يشعر به، ويعتقد أنّه أصيل ودائم وحقيقي في ذاته، ليس إلّا عوارض مؤقتة لهذه الظروف وتأثيراتها.. وبرغم كلّ شيء، فنحن موجودون هنا… معه وله… لمساعدته في تخطّي هذا الظرف… والسبب بسيط للغاية؛ وهو أنّ هذه الأزمة ستمرّ كأخواتها السابقات وإن كانت أشد إيلامًا وأشدّ قهرًا… وأنت يا صديقي، تتصدّر كل ما خسرته حبّا وغلاوة… لذلك، نحن مصممون على ألّا نخسرك فنفقدك … ثقتنا وضعنها بك… ونعرف كل المعرفة أنّها ستمطر مرّة أخرى.. وستزهر البراعم وتكبر الثمار.. وتعود الضحكات والأغاني … وسيطوي الزمان هذا الحزن كلّه كأن لم يكن … لكن أنت… ستبقى…

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى