كرنفالات احتفالية / منصور ضيف الله

كرنفالات احتفالية …

ازدادت النوبات ، لم يعد الاحتمال ، “الهالة” تقدم عالما بكرا ، فيه تتزاوج الألوان ، تتعاشق الصور ، تتوالد الفكر …. وأنا لم أعد أحتمل . حمل رأسه ، وغادر إلى عمان . هو رأسي ، لكنه لست أنا . كرر الفكرة مرات ، ودلف إلى داخل العيادة … خطف بصره كثرة المنتظرين . الجميع واحد ، الرؤوس كثيرة لكنها واحد ، وشق طريقه بعناد حيث يتمترس الطبيب . تفحص أوراقه ، تملى من صور … بقايا صور ، مخططات رسمت على عجل ، توقيعات منسية ، غمرته صفرة المكان ، روائح تخترق الأذن ، صدى يرتد ثم يحط على الشفاه المتشققة طيرا غريبا . لا فائدة ستتعمق النوبات ، لا فائدة أبدا … التقط هذياناتك ، صالح هلوساتك ، خادن خرائط خيالاتك ،وستكتشف كمية الجمال المهدورة في عالم لئيم . يطلقها الطبيب مجلجلة ، وتنتهي العيادة .
الزيتونات المرصوفة في باحة الجامعة تلوح له …. كم لوحت له بعواكيز في المساءات البعيدة ، جدات قديمات ، من كل دار سلام جدة . كرنفالات احتفالية ، ومصاطب خطابة ، عطور مخمرة في ذوائب مقدسة . يستغرقه المشهد ، يتجمد أمامه بلا ذاكرة ، بلا جسد ، برأس تعصف به ” شحنات ” من تاريخ بلا تزوير ، ملوك قدماء لم يحكموا سوى زوجاتهم ، وزوجات بحثن عن أزواجهن منذ الليلة الأولى ولم يجدنهم . تراتيل من كتب مقدسة ، عمائم تعرف كل شيء ، وتنكر كل شيء ، ولا شيء ! يستغرقه المشهد أكثر ، يرتجف الجسد ، يرتج المكان ، تغيم الدنيا ، ويغرق في سواد أحمر …
تمتد يد الحبيبة ، معروقة بدهشة إلهية ، تنحدر منها حبات العرق ، حبة تلو حبة ، ثم تنتظم بيت شعر منسي . قصيدة تتقاطر منها أسواق شعر ، شعراء عشاق ، وقصائد يتيمة . تلتقي الأصابع ، تنكمش الراحتين ، تروحان في عناق طائر .
في سماء المدينة ينظر الناس طائرا سنونو ، يتشاهقان في فضاء مفتوح ، طائر أبيض ، وآخر أسود ، يمتزج اللونان غيما رماديا صادقا ، يتكاثف السحاب ، يملأ كل الأرجاء ، يقصف الرعد ، ويلتمع البرق ، تهاجر الطيور إلى أوكارها ، والنجوم الى قلائدها وتغرق المدينة بحكاية حزينة .
تقترب النوبة من نهايتها ، العيون شاخصة ، العرق يتصبب ، والجسد النحيل يتحسس رأسه . الزيتونات القديمات تعابثها ريح أيلول ، تقلب أوراقها الصفراء ، تنثرها تحت أقدام العابرين حكاية لغريب ما زال يحمل رأسه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقالة بهذا الحجم من الروعة والبراعة والدهشة…. لا يجزيها الا مقالة تحاول المطاولة وترتقي للمبارزة، وتنتقي من عناصر الجمال بعضه، ومن أعالي القطوف اقربه، ومن بستان أزاهير ها اليانعة بضعه، سلمت يمناك أخي منصور، وعلى وعد للقاء في ميدان الفكر والابداع، وفي جنة اللغة والامتاع كما جمعتنا كرنفالات اليرموك منافسة علمية وادبية متألقة يشهد لها القاصي والداني….
    امنحنا اللهم جنونا أدبيا وافرا، وهذيانا كتابيا عارما، وثباتا في الجنان ، ومنحا وفتحا تاما يا عظيم يا منان.
    اسعد الله صباحاتك وامسياتك وبارك الله في حسك الراقي، وفكرك النقي الوافي، ومنحك الصحة وموفور العافية.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى