إن الرحلة اقتربت ..

إن الرحلة اقتربت ..
منصور ضيف الله

عند الوحشة تشتدُّ الحاجة إلى الكتابة . الكتابة ليست نزهة ، إنها تشبه الرقص على خيط رقيق ، وثمة أفاعٍ تتلمظ في انتظار فريسة . الحال يشبه بعض أبي نؤاس ، إذ يلومه أحدُ عارفيه ، ويعاتبه عتاب الجاهل ، تتفجر حالة “الاستحسان ” عند صاحب “خالصة” ، ويتحفنا بشعر تتضاءل دونه علوم النفس :
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الداء
صَفراءُ لا تنزلُ الأَحزانُ ساحَتَها
لَو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتهُ سَرّاءُ
فقل لمن يدعي بالعلم فلسفة
حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

ايتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك .
****
أما ابن خفاجة فشاعر أندلسي ، لم يمتدح أحدا قط ، فعائلته ذات يسار . كانت أيام الأندلس تتدحرج أمام عينيه . لاشيء يقف أمام حس الانكسار ، والشعور العميق بالهزيمة ، فصانعو التاريخ مضوا إلى غير رجعة ، واستلم الأمانة من لا يصونها …
وَحيداً تَهاداني الفَيافي فَأَجتَلي
وَجوهَ المَنايا في قِناعِ الغَياهِبِ
وَلَيلٍ إِذا ماقُلتُ قَد بادَ فَاِنقَضى
تَكَشَّفَ عَن وَعدٍ مِنَ الظَنِّ كاذِبِ
فَرُحماكَ يا مَولايَ دِعوَةَ ضارِعٍ
يَمُد ُّ إِلى نعماك راحة راغب .

مضى إبراهيم وما زال تاريخنا معلقا على صدور القصائد ، لمن أراد .
****
ومن هذين إلى حبيب الزيودي ، البدوي الذي أكلته حواري عمان ، لم يتقن لعبة المناصب ، وتبادل الأدوار ، وإذ يكتشف الحقيقة المرَّة ، يصحو إلى نفسه ، يلمُّ صحراءه ، وبُقيا مدارج طفولته ، وانكسارات كأسه ، ويشدو :
عشت الحياة كما يليق بمرّها وبمرّها
وكما يمرُّ السهم من جسد الغزال مررتُ
وحدي كنت في بريَّة الدنيا, ولكن الرماةَ
بلا عددْ
كن راضيا يا قلبُ
إن الرحلة اقتربتْ
فلا تجزع على أحدٍ
فقد عشت الحياة جميلةً
فيها بيوتٌ,
والبيوت بها نوافذُ,
والنوافذ لا تطلُّ على احدْ .
الغيوم الصافية كالطيور ، حين تموت تدفنها الملائكة في السماء .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى