قواعد المعارك العشر .. القاعدة الخامسة: بين المرونة والصلابة

#قواعد_المعارك العشر .. القاعدة الخامسة: بين #المرونة و #الصلابةؤ

م. #انس_معابرة

عندما سُئل معاوية بن أبي سفيان عن سبب طول مدة حكمه، ورضى الخلفاء المتعاقبين والناس عنه أجاب: “احافظ على شعرة بيني وبينهم، إن هم جذبوها أرخيت قبضتي قليلاً، وإن هم أرخوا قبضتهم جذبتها إليّ، فهي لا تنقطع”.

وفي المثل الشهير يقال: “لا تكن ليناً فتُعصر، ولا تكن صلباً فتُكسر”، ولكن ما علاقة هذه البداية في قواعد المعارك التي نتحدث عنها في هذه السلسلة؟

الحقيقة أن البعض قد يكون جاهزاً للفوز بالمعركة، استعدَّ لها بشكل جيد، وامتلك السرعة اللازمة، والروح القتالية المرتفعة كذلك، بالإضافة الى دراسته لنقاط القوة والضعف لنفسه ولخصمه على حد سواء، ولكنه يخسر المعركة بسبب جموده، وعدم قدرته على المراوغة في المعركة.

قد تحتاج أحياناً إلى إستخدام القوة للفوز بالمعركة، عندها وجب أن تكون صلباً كالفولاذ، صارماً بتاراً كالسيف، مُقدماً غير مُدبر، لا تتردد في إتخاذ القرارات التي من شأنها أن تكون حاسمة لمجريات أحداث المعركة.

وأحياناً وجب عليك استعمال اللين والكلام الطيب للفوز في المعركة، خصوصاً إذا وصلت إلى مرحلة المفاوضات أو التسوية، عندها يكون للكلام على الأذن الأثر الذي لا تحدثه السيوف على الرقاب، وقد تحسمُ أنت فوزك في المعركة بكلمة واحدة فقط.

كما أن الخصوم يختلفون بإختلاف المعارك، بعض الخصوم لا ينفع معهم إستخدام القوة، بل تحتاج إلى السياسة واللين والدهاء، وبعضهم يحتاج إلى فيضان المشاعر والعواطف لتضمهم إلى قائمة ضحاياك، والبعض الآخر يحتاج إلى أن تمد يدك اليمنى له بالسلام، ويدك اليسرى على سلاحك، خوفاً من غدره.

ويقال بأن الشجرة القادرة على الإنحناء هي التي تبقى بعد مرور العاصفة، قد تكون أنت الشجرة؛ فلا تدع نفسك للأهواء تقاذفك خلال المعركة، بل وجب عليك الإنحناء حتى تمر تلك الجولة من المعركة، وبعدها ترتفع شامخاً وقد قهرت تلك العاصفة، وتمكنت من البقاء في الميدان لجولة أخرى، قد تكون حاسمة للنصر لصالحك.

ضمن جولات المعركة الطويلة بين الخير والشر كانت جولة الحديبية، عندما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أداء العمرة، ورفضت قريش ذلك، وانتهى الأمر لتوقيع صلح بين المسلمين والمشركين مدته عشر سنوات، ذلك الصلح الذي أغضب الكثير من أصحاب النبي، وأعتبره البعض فوزٌ للمشركين في المعركة.

ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعلم كيف يتحول من الصلابة التي كان عليها قبل قليل في استعداده لقتال المشركين وقد أخذ البيعة من الصحابة على ذلك، إلى حالة المرونة في أن يجلس مع سهيل بن عمرو ليكتبوا صلح الحديبية.

بل قد وافق الرسول الكريم على الشروط التعجيزية التي أملها المشركون في عقد الصلح ظناً منهم أنهم يكتبون النصر لهم، ولكن الرسول الكريم كان يعلم جيداً أنه ما بعد هذا الإنحناء التكتيكيّ المؤقت؛ قيام كبير.

ولم يتأخر ذلك طويلاً؛ فلقد تم صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، وفي السنة الثامنة للهجرة تم الفتح الأكبر، عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة فاتحاً منتصراً، ليكتب سطراً جديداً في إنتصار الخير على الشر.

لا تكتفِ بأن تمتلك المهارة للتحول بين الصلابة والمرونة بالسرعة اللازمة فقط، بل الأهم من ذلك أن تعلم جيداً متى تتقلب بين تلك الحالات، وكذلك الحالة المناسبة لكي تقابل بها كل خصم على حدة، والتي تضمن لك الفوز في تلك المعركة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى