التكنولوجيا والبشر وصراع القيادة

#التكنولوجيا و #البشر و #صراع_القيادة

م. #انس_معابرة.

حين نبحث عن أصل الإنسان وطريقة نشأته، نجد العديد من الفرضيات التي تحاول تفسير ذلك، بعضها يقوم على أساس ديني بحت، يتلخص في أن الله عز وجل قد خلق الإنسان في أحسن صورة، وأنزله الى الأرض، وبدأ البشر بالتكاثر.

وهنالك فرضية تقوم على أساس علميّ تقول بأن الحياة بدأت بعد أن هدأت الأرض، وبدأت تتكون الكائنات الأحادية الخلية، ثم تطورت إلى أن وصلت الى الإنسان الذي نراه اليوم، بعد أن مرّ بعدة أشكال على مدى عشرات الألاف من السنوات.

وفي تلك الفرضية التي جاء بها الإسلام والشرائع السماوية الأخرى، نلاحظ أن الإنسان قد تطور وأختلف شكله، فكما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأن سيدنا آدم عليه السلام كان طوله ستون ذراعاً وعرضه سبعة أذرع، واليوم لا يتعدى أطول البشر المترين إلا في حالات قليلة جداً.

إذن فمن الممكن القول أن التغيير في هيئة البشر هو عامل مشترك في الفرضيات التي تحاول أن تفسر نشأة الإنسان، وهي سمة صعبة القياس نتيجة لعمر الإنسان القصير، والذي لا يمكنه ملاحظة مقدار التغير الحاصل في هيئة البشر.

ولكن في الوقت ذاته؛ يمكننا ملاحظة تغيير كبير في هيئة البشر خلال القرن الحالي، أي خلال العشرين سنة الماضية، وهو تغيير محسوس وملوس ومُشاهد، ومن الممكن التعبير عنه وقياسه بوسائل القياس المختلفة.

لقد حصل اندماج خلال العقدين الأخيرين بين الإنسان والتكنولوجيا، وأصبح من الصعب التفريق بينهما، فأصبح من الطبيعي أن تشاهد إنساناً يضع سماعات الأذن، أو أن تشاهد آخر وهو يعبث بهاتفه الذكي، أو أن ترى إنساناً ضئيل الحجم يتحكم في آلة عملاقة تقوم بحرث الأرض وبذرها وجني المحصول من خلال جهاز تحكم صغير في يده وهو جالس إلى كرسيّ، وبتنا نسمع اليوم عن شرائح ذكية تحت الجلد تقوم بعدة وظائف في الوقت ذاته، أو سمعنا عن شخص آلي يمكنه الشعور بالسعادة أو الغضب، ويمكنه التعبير عن ذلك أيضاً.

بل يمكن القول بأنه قد أصبح من المستحيل الفصل بين الإنسان والتكنولوجيا الحديثة، وهنالك عدة سيناريوهات تتخيل إنهيار المنظومة التكنولوجية حول العالم، وتتوقع النتائج المترتبة على ذلك، مثل إنهيار أنظمة البنوك والبورصات العالمية، وفقدان التحكم بالأسلحة الحديثة والطائرات والغواصات، واستحالة تسيير الجيوش والتحكم بها، وكذلك إنقطاع التواصل بين البشر عن بعد تماماً.

وكذلك نَصِفُ اليوم الشخص الذي لا يستعمل التكنولوجيا الحديثة بأنه شخص بدائي، متخلّف عن الجيل الحالي بعدة مراحل، ويحتاج إلى تطوير وتحديث حتى يتمكن من مواكبة مسيرة البشر الحالية.

ولكنْ؛ تكمن الخطورة في كيفية السيطرة على هذا الإندماج، وإيقافه عن حد معين، فربما قد تصل التكنولوجيا إلى حد يمكنها معه إتخاذ القرار بدلاً عن الإنسان، أو التصرف حسب الشعور الذي يتوالد لديها نتيجة موقف معين، وكل الخطورة تكمن في أن يكون تصرّف التكنولوجيا بعكس مصلحة البشر، أو بما يهدد بقاء البشرية على قيد الحياة.

أعجبتني جداً رؤية الكاتب الكبير دان براون التي وضعها في روايته الرائعة “الأصل”، والتي يناقش فيها الصراع التاريخيّ بين العلم والدين حول نشأة الإنسان، ولكن الجزء اللافت في تلك الرواية هو الذي يبحث فيه عن مصير الإنسان في المستقبل، المستقبل الذي تتحكم فيه التكنولوجيا بالإنسان وليس العكس.

ربما ينطوي السعي الحثيث للإنسان نحو تطوير نفسه عبر تطوير التكنولوجيا على خطورة كبيرة تهدد مستقبله، ويساعد ذلك الصراع المحتدم بين الدول، والتسابق في ميادين التكنولوجيا، وبالتالي لا بد أن تكون البشرية حذرة في أعمال التطوير والتحديث، وأن تتوقف عن خطوط حمراء يتم الاتفاق عليها، خشية الإنزلاق نحو الهاوية. من الفرضيات التي تفسر ظهور مرض كوفيد 19 خلال عام 2020 هو أن الفيروس قد تم تطويره في أحد المختبرات، وتسرّب إلى أحد الأسواق القريبة، وتسبب في شلل العالم لمدة تجاوزت العامين، وقتل عشرات الملايين من البشر، وأهدر المليارات من الدولارات، وهذا مثلاً أحد المجالات الخطرة التي يقامر فيها البشر بمستقبلهم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى