غياب التنسيق والإرباك .. والضحية طلبة الدراسات العليا

غياب التنسيق والإرباك .. والضحية طلبة الدراسات العليا
فداء المرايات

تسيطر على عقل المشاهد بوجه عام فكرة المقارنة ولو كان لمسلسل درامي أو
كوميدي من جزأين أو شخصية عامة قبل وبعد من حيث العمر والشكل والمواقف
وغيرها ، وكذلك الأمر في عيون وأذهان المواطنين في متابعتهم للأداء
الحكومي لحكومة سابقة وأخرى حالية ومدى قدرة الفريق الحكومي على إدارة
المرحلة ، ولأن المرحلة حاليا تحمل متغيرات يصعب تطويعها ، وأزمة عالمية
مترامية الأبعاد ، فإنها تستدعي وجود الخبرة العالية والتناغم الجماعي في
دوائر القرار على مستوى الدولة الواحدة .

وعلى مبدأ المقارنة الذي بدأت فيه مقالي ، ما زلنا لا ننسى حجم التقارب
الوزاري والحكومي في فريق الرزاز أو الحكومة السابقة ، على الرغم من وجود
العديد من الأخطاء ، والتقصيرات ، والملفات المتراكمة التي ونحن نعرج على
هذه الإيجابية لا يمكن لنا ان نغض الطرف عن وجودها ، لكن بلغة الأمانة
واحقاق الحق كان التعاون ما بين وزارة الصحة ومعظم الوزارات التي تتأثر
بقرارات الفتح والاغلاق في أعلى درجة ، فعندما بدأت الحالات المصابة
بفيروس كورونا بالتزايد تم معاملة القطاع الأكاديمي معاملة تقوم على أسس
المساواة والمواطنة ولم يفرقون بين درجة علمية عن غيرها فهم جميعا
مواطنون ومن حقهم الحفاظ على صحتهم وواجب على الحكومة توفير هذا الحق في
الصدارة دون أية استثناءات ..

اليوم في قراءتنا للمشهد نشاهد الكثير من غياب التنسيق وتباعد وزارة
الصحة عن شقيقاتها من الوزارات في تزعم المشهد وتوجيهها الحازم وتوصياتها
التي كانت في الحكومة السابقة تتخذ منحى الزامي أكثر من مجرد توصيات ،
ولنا في ما يحدث بشكل فردي من قبل وزارة التعليم العالي أكبر دليل على
غياب التنسيق وغياب النظرة المتكافئة لجميع أفراد الشعب الملتحقين
بالجامعات ( بين طالب البكالوريس وطالب الماجستير والدكتوراة ) هذا من
جهة ، وجميع الطلبة بوجه عام من عرب وأردنيين ( داخل الأردن المطلوب منهم
وجاهيا وخارجها المطلوب منهم عن بعد ) من جهة أخرى ، وبهذا التعدد في
الظروف للطلبة والمسبب واحد هو فيروس كورونا على الرغم من إمكانية توحيد
الامتحان وتحقيق العدالة والسلامة في آن واحد ، ولكن هذا بكل وضوح قرار
فردي ينتمي لوزارة وليس لملف حكومي متكامل يتبع لحكومة تقود ازمة وبائية
خانقة تلقي بظلالها على المجتمع وعلى العالم بأكمله ، فالحكومة التي أمرت
بإغلاق الكثير من القطاعات على الرغم من الضرر الاقتصادي الهائل على
دولتنا والتي تعاني أزمات اقتصادية صعبة ، كان هدفها الأول من الإغلاقات
حفظ المواطنين وسلامتهم وعدم إرهاق المنظومة الصحية التي لا يمكن لها
تحمل آلاف الإصابات في معادلة صعبة إما أن نضحي بالاقتصاد أو نضحي
بالنظام الصحي وأرواح المواطنين ، فكانت سلامة المواطنين أولوية تعلو على
كل المنافع الاقتصادية .

واليوم نشاهد وزارة التعليم العالي تغرد من خارج سرب الحكومة وبعيدا عن
ملف الأزمة والمدروس بعناية في كل دول العالم ، فها هي القارة العجوز
أوروبا ودولها الكبرى القائمة منذ ما يزيد عن ألف عام وصانعة الدساتير
وقبلة الديمقراطية الأولى والفكر والسياسة والعلوم ، تعلن إغلاقات –
تزامنا مع نهاية العام – بين وداخل دولها خوفا على سلامة المواطنين
وتخوفا من الفيروس ، ولم تتحدث بلغة اقصائية بين رواد جامعاتها القادمين
من كل بقاع العالم ، ولم تفاضل في حق الحياة والسلامة والوقاية من كوفيد
على الرغم من جودة الحياة بشكل عام والتعليم بشكل خاص في تلك الدول
ورفاهية السياحة التعليمية وغيرها ؛ إلا أنها كانت شديد التمسك بأهمية
حياة الانسان وواقعية المشهد وخطورة تداعياته على الرغم من الامكانات
العالية التي تمتلكها تلك الدول والمؤسسات القائمة فيها .

فما هي مبررات الوزارة لتصنع هذه الفجوة في مدماك المساواة بين المواطنين
أو بالأحرى بين الطلبة ؟!
ولا تعد الفجوة اكاديمية بل حياتية ومصيرية لمرضى المناعة وأنا واحدة
منهم وأصحاب الأمراض المزمنة وأرباب الأسر والأباء والأمهات من طلبة
الدراسات العليا القلقين على صحة أطفالهم وعائلاتهم ..

فهل تسعى وزارة التعليم العالي لصناعة سبق استثنائي في واقع الظرف
الاستثنائي وتلقي بطلبة الدراسات العليا في تهلكة الوباء تمهيدا لفتح
القطاع دون أية توصيات من أهل الاختصاص وصناع القرار للأزمة الوبائية من
وزارة الصحة ؟ أم أن الأمر لا يعد سوى تمسك بالقرار ومناكفة لجواز
التغيير والضحية أرواحنا ، إن من تجرأ على صحة الطلبة وزاود على سلامتنا
، يجب عليه أن يتراجع عن هذا القرار ويلقي عن كاهله لغة اللوم الجماعي في
الوقت الحالي وجلد الذات فيما بعد في حال فقدنا أحدا من زملائنا أو
أساتذتنا أو موظفي جامعاتنا – لا قدر الله – فكلنا في مركب واحد .

وعليه فإننا نحن طلبة الدراسات العليا في الجامعات الأردنية نرفع إلى
وزارة التعليم العالي رفضا واستهجانا على استثنائهم من قرار الامتحانات
عن بعد في ظل ظرف قاهر جاب الكرة الأرضية وألحق خسائر بملايين الأرواح
والاقتصادات على مستوى العالم .

إن مطلبنا الأول في تقديم الامتحان عن بعد أسوة بزملائنا في مرحلة
البكالوريس لا يفتح لنا اتهاما بالغش بل يحفظ لنا صحتنا وصحة مجتمعنا هذا
بالمقام الأول وأما ذريعة أن الامتحانات عن بعد تؤدي الى الغش فهذا كلام
غير واقعي وليس بعملي فالاجابات لهذه المرحلة استنتاجية وهي اجوبة
مقالية تأتي كخلاصة وعصف ذهني لكل النقاشات التي تمت بين الطلبة ودكتور
المادة لذا فإنه من المستحيل لمن هو خارج المحاضرات أن يجيب على الأسئلة
مع التأكيد الدائم من مدرسي المواد بعدم الاجابة التقليدية او استخدام
نصوص جامدة بل رأي الطالب ومدى فهمه بلغته الخاصة كباحث وكل استاذ يعلم
جيدا طلابه فلا يوجد للغش تذرعا في أزمتنا ناهيك بالمطلق أن الامتحانات
ليست معيارا للفلترة والتخرج كطلبة البكالوريس بل هي خطوة مرحلية تسبق
المرحلة النهائية ( الرسالة ) والتي هي الفيصل الحقيقي في كفاءة الطالب
الباحث من عدم كفاءته ..

وما يغيب عن الوزارة هو أن قضية الامتحان لا يمكن حصرها في مسمى قاعة
وتحقيق التباعد فهذا كلام غير واقعي وليس بعملي ؛ فالذهاب لعدد يزيد عن
20 ألف طالب لتقديم الامتحان يعني التوجه من المحافظات والمدن والقرى ومن
عدة مناطق من كل حدب وصوب في أنحاء المملكة ( لأن الفصل كان الكترونيا
ولم يتم أخذ السكنات ) وتحشيد الطلبة الى مؤسسة أكاديمية كبيرة تسمى
جامعة وهي مكتظة اعتباريا بحسب طاقتها الاستيعابية وحاجاتها وكلياتها
ومبانيها الادارية ومساحتها بالأمن والموظفين والدكاترة
فالطالب اذا ذهب الى الامتحان لن توصله سيارته من المنزل الى باب القاعة
مباشرة بل سيستقل المواصلات ( على اختلافها نوعا وموقعا ) ويدخل بوابات
ويمر في عدة ممرات ومباني وكليات حتى يصل إلى قاعته ممسكا الطاولة
والمقعد وملامسا الاوراق ..
هل أدرك الوزير أن وجود الورق بحد ذاته فرصة عالية للوباء والشعبة
الواحدة فيها 35 طالب ، هذا على اعتبار احتمالية الاصابة من قبل الحلقة
الأضعف في معادلتنا هذه الطالب فماذا لو كان المصاب موظف ينشر الوباء –
دون أن يعلم – لكل طالب قادم الى الجامعة ؟!

وهل تضمن الوزارة سلامة الطالب وسلامة كل هؤلاء المشاركين في هذا التجمع
الكبير وبكل هذه النقاط التي يتنقل بها ليصل أخيرا الى قاعة الامتحان ؟!

هل تم التنسيق والتوجيه من وزارة الصحة التي تتبع تعليمات منظمة الصحة
العالمية بأن الغرفة الواحدة التي فيها مصاب كورونا ولو حقق التباعد
سيقوم بالعدوى عبر هواء الغرفة المنتقل طوال الوقت هذا ما كانوا يتحدثون
به ويؤكده الأطباء لماذا غاب عن وحق طلبة الدراسات العليا !!

وأما مطلبنا الثاني فهو نظام ناجح – راسب الذي لا يضر بسير العملية
الاكاديمية وجودتها بل هو حق اختياري للطالب الذي لم يستخدمه من قبل
ويراد به الحفاظ على المعدل جراء الفصل الحالي العصيب المليء بضغط
المحاضرات التعويضية نتيجة تأخير الفصل لأسبوعين بالاضافة الى مشاكل
الانترنت التي أربكت الطلبة وتعذر لدى بعضهم امتلاك الأجهزة المثالية
لتلقي المحاضرات ..

هذه مطالبنا ومظلمتنا ونحن نطلب حقنا المجتمعي الصحي فمنا من هو خارج
البلاد ومنا المصاب ومنا مرضى المناعة وأنا منهم والأمراض المزمنة ومنا
كبار السن الذين يريدون تحقيق هذا الحلم فطالما تعددت ظروف الطلبة
والغاية صحتهم ، تقتضي المصلحة الجماعية في أن يتم امتحان طلبة الدراسات
العليا عن بعد تحقيقا للعدالة والمساواة والسلامة معا في آن واحد .

فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة قي مجال حقوق الانسان
طالبة ماجستير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى